مصير منطقتنا مع نذر الحرب !

[email protected]

سربت بعض الدوائر الاستخباراتية الغربية في الأسبوع الماضي لبعض وسائل الإعلام الغربية, معلومات عن أن واشنطن تستعد لضرب إيران خلال الأشهر القليلة المقبلة. وإذا ما أصر صقور الإدارة الأمريكية على الخيار العسكري في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، فإن خطرا كبيرا ينتظر منطقتنا التي لم تعرف طعم الاستقرار منذ ثلاثة عقود على الأقل. يأتي هذا التحدي الكبير في وقت ما زال مجتمعنا يعاني استفحال عدد من المشكلات الاقتصادية الجادة التي ضاعف من نتائجها سوء الإدارة وفشل التخطيط وعدم كفاءة السياسات الاقتصادية وأحيانا غيابها كلية. يأتي ذلك في وقت تعمل ضغوط نمو السكان على توسيع الفجوة بين الطلب المتعاظم والعرض الهزيل في عدد من قطاعات اقتصادنا سواء تعلق الأمر بقطاع الإسكان أو التعليم الجامعي أو خدمات المرافق العامة والخدمات البلدية أو خدمات النقل الجوي الداخلي أو خدمات الاتصالات، أو تعلق الأمر بمواجهة معضلة البطالة التي صاحبتها أخيرا ظاهرة ارتفاع الأسعار، ما أدى في نهاية المطاف إلى تدهور متوسط معيشة المواطنين.
وتصاعدت حدة المواجهات الكلامية بين أمريكا وإيران في الأيام القليلة الماضية. فقد اتهم الرئيس الأمريكي إيران في مناسبات متعددة الأسبوع الماضي بأنها تدعم المتطرفين في العراق وتزودهم بالأسلحة. ونفى الرئيس الإيراني هذه الاتهامات، وأضاف أن نفوذ الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط ينهار باطراد، وإن بلاده ستعمل على ملء هذا الفراغ بالتعاون مع أصدقائنا الإقليميين, مثل السعودية والشعب العراقي على حد قوله. ورد بوش على تصريحات نجاد في خطاب أمام رابطة قدامى المحاربين قائلا إن الحرس الثوري الإيراني يمول ويسلح المقاتلين في العراق.
وكانت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية قد ذكرت يوم الأحد الماضي أن الإدارة الأمريكية ترتب لضرب قواعد عسكرية للحرس الثوري الإيراني، وأنها قد تقصف كذلك منشآت نووية إيرانية خلال الأشهر الستة المقبلة. ونقلت الصحيفة عن روبرت بير المسؤول السابق في المخابرات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط أن هناك تباينا في وجهات النظر بين أعضاء الإدارة الأمريكية حول دور مجلس الأمن فيما يتعلق بضرب إيران. ففي حين تفضل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس الطرق الدبلوماسية، يصر ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكي على العمل العسكري الجوي. وبالطبع لن تعدم هذه الإدارة عن إيجاد المبرر لشن هذه الهجمات. فقد أخذ بعض المسؤولين الأمريكيين يصرحون بمسؤولية الحرس الثوري الإيراني عن دخول متفجرات متقدمة تخترق الدروع إلى الساحة العراقية مكبدة القوات الأمريكية في العراق خسائر فادحة. فيما نقلت صحيفة "ديلي تلغراف" عن مسؤول المخابرات السابق نفسه أن إدراج الإدارة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية سيكون الغطاء لشن الهجمات الأمريكية المتوقعة. وقد أشارت إحدى المحطات الإخبارية الأمريكية أخيرا إلى أن تطور الأحداث الراهنة يماثل التطور الذي سبق ضرب العراق.
ويميل عدد من المحللين الاستراتيجيين إلى استبعاد إقدام الإدارة الأمريكية على هذا العمل المتهور لعدد من الاعتبارات: منها ما لهذه المواجهة من ذيول خطيرة على الاستقرار والسلام العالميين، واختلاف الوضع في إيران عن وضع العراق زمن صدام حسين، ناهيك عن دروس الفشل الأمريكي الذريع في العراق والصعوبات التي يواجهها حلف الأطلسي في أفغانستان. لكن بعض المراقبين السياسيين يتخوفون من أن لدى صقور الإدارة الأمريكية دافعا للقيام بهذا الهجوم اعتقادا منهم أن نجاح ضرب إيران سيكون الورقة الرابحة لإحكام السيطرة على المنطقة سياسيا واقتصاديا. كما أنهم يعتقدون أن نجاح الضربة سيعمل على تغطية الفشل الأمريكي في العراق، وهو ما يأملون أن يعيد الزخم الشعبي للحزب الجمهوري الأمريكي الذي يبدو حتى اللحظة أنه فقد الأمل في الفوز في انتخابات الرئاسة المقبلة.
عندما يتعلق الأمر بقوة النيران ونوع الأسلحة فلا مجال للمقارنة بين القوة الأمريكية والقوة الإيرانية، لكن التاريخ يعلمنا أن الأمور لا تقيم فقط من خلال هذا المعيار، وأن السهل على قوة ضاربة أن تبدأ حربا لكن ليس سهلا عليها أن تنهيها.
يبدو أن نذر حرب رابعة جديدة في الخليج تدق طبولها، فقد زادت الحشود العسكرية الأمريكية في العراق والخليج أخيرا. وسواء كانت هذه الحشود استعراضا وتخويفا أم ضغطا للحصول على تنازلات في صفقات قد تعقد، أم كانت تمهيدا لحرب فعلية على إيران، فستتأثر منطقتنا سلبيا سواء انته الأمر بعقد صفقات، أو أضحت منطقتنا ساحة لهذه الحرب لا قدر الله. وحينها ستدفع شعوبنا ثمنا فادحا لتطور الأحداث. ولو حدثت الحرب ــ لا قدر الله تعالى ــ فسيكون ما جرى في العراق اليوم أبسط بكثير مما يمكن أن تؤول إليه الأمور في المنطقة. إذ قد يصل تطور الأحداث إلي أن يقرر المعتدون إعادة رسم خريطة المنطقة من جديد. وإذا كانت المقاومة العراقية وطبيعة أرض العراق بنهريها اللذين يجريان فيها قد مثلت العامل الصعب الذي أرهق المحتل، فليت شعري كيف سيكون حال خليجنا؟
الخطر كبير وهو يفرض علينا كافة جماعات وحكومات مسؤولية جسيمة للإسراع في لم الشمل وتبني مشروع وطني واسع يتصدى لمثل هذا الخطر ليضمن سلامة البناء الاجتماعي الداخلي وصلابة الدفاع الخارجي. علينا أن نحدد خياراتنا المستقبلية، فما كان صالحا قبل 50 عاما، لا يمكن أن يكون مناسبا للظروف الجديدة. إن الأمة بساستها وحكمائها وأهل الحل والعقد فيها بحاجة ماسة لتدارك الأمور قبل انفلات الأحداث من عقالها.
ولا شك أن تعزيز الحريات العامة والقضاء على الفساد وتقوية أواصر التعاون الخليجي والعربي بجميع أشكاله السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية باتت أمورا لا مناص عنها في وقت تشهد فيه منطقتنا تغيرات اجتماعية كبرى ستترتب عليها تغيرات سياسية حتمية.
إنه الاستعداد الجاد لدرء الخطر بملء إرادتنا أو انتظار مصير لا يعلم منتهاه سوى الله تعالى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي