الحكم الشرعي حول "بيع الدَّين" يثير جدلا بين البنوك الإسلامية
يمكن أن يكون الدّين على صورة نقد أو سلعة، مثل الأغذية أو المعادن. ويمكن تعريف بيع الدّين بأنه بيع الحق الدائن أو الحق المدين إما إلى المدين نفسه وإما إلى الغير. وهذا النوع من البيع يكون في العادة إما للدفع الفوري وإما الدفع المؤجل.
تسمح الشريعة ببيع الدّين مقابل كمية مكافئة في المبلغ وتاريخ الاستحقاق عن طريق الحوالة. وهذا النوع من بيع الدّين مقبول لدى جميع المذاهب الفقهية، شريطة أن يدفع المبلغ بالكامل وبالتالي لا يؤدي إلى استفادة المشتري. والسبب في هذا الحكم هو أن التعاملات المالية المشتملة على الدّين يجب ألا تسمح بالدفع المؤجل، على اعتبار أن هذا يمكن أن يكون نوعاً من الربا، أو بيع الخالي بالخالي، المحرم شرعاً.
وحسب أقوال معظم فقهاء الحنفية والحنابلة والشافعية، فإن بيع الدين إلى شخص غير مدين أو إلى طرف ثالث غير جائز أبداً. ولكن فقهاء المالكية وعدد من فقهاء الحنفية والشافعية، يجيزون بيع الدّين إلى الغير على شروط. وهي على النحو التالي:
* أن يكون البائع قادراً على تسليم الدّين.
* أن يكون الدين مستقراً، أي مؤكداً، وأن يتم تنفيذ العقد على الفور.
* ألا يكون الدين ناشئاً عن بيع العملة (الذهب أو الفضة) ليتم تسليمها في المستقبل بحيث لا يكون التسديد من جنس الدين، وإذا كان الأمر كذلك فإن السعر يجب أن يظل على حاله حتى لا يصبح نوعاً من الربا.
* أن يكون الدين بضاعة قابلة للبيع، حتى قبل تسلمها. والهدف من ذلك هو ضمان ألا يكون الدّين من نوع الغذاء، لأنه لا يمكن مبادلته مع المدين.
إن الموضوع الرئيسي في هذا المقام هو في مدى جواز بيع الدّين المستقر الذي تضمنه بضائع غير ربوية بسعر مخفض.
وضع جمهور الفقهاء حداً لإمكانية تحقيق الربح بتأكيد أن أي بيع للدّين أو حوالة الدّين يجب أن يكون بالقيمة الاسمية. وفحوى هذا الحكم بالنسبة للسؤال الوارد أعلاه أنه حين يشتري البنك شهادة الدّين من البائع الأصلي لا يحق له الحصول على أي حسم. وبالتالي تغلق الأبواب أمام الربا من خلال تحريم أي فرق بين ما يدفعه البنك (أي سعر شراء الشهادة) وما يتلقاه عند تاريخ الاستحقاق (القيمة عند الاستحقاق). ورغم الحكم الواضح بتحريم هذا النوع من التعاملات، فإن بعض البنوك الإسلامية تقدم منذ فترة منتجات إسلامية تشتمل على إعطاء حسم معين. فهذه البنوك من حيث الأساس تعامل الدّين وكأنه مثل الموجودات المادية الأخرى التي يتم تداولها بأسعار مخفضة قابلة للتفاوض.
والواقع أن تحريم بيع الدّين نتيجة منطقية لتحريم الربا أو الفائدة. فالدّين الواجب التسديد بصورة نقدية يعادل المال، وكل تعامل يتم فيه تبادل المال من قيمة المال نفسها، لا بد من حساب السعر حسب القيمة الاسمية. وأي زيادة أو نقص من أحد الطرفين يعد وكأنه نوع من الربا ولا يمكن السماح بذلك أبداً في الشرع.
ويجادل بعض الفقهاء أن بعض أشكال بيع الدّين جائزة، وقالوا إن جواز بيع الدّين "مقصور على الحالة التي ينشأ فيها الدّين من خلال بيع إحدى السلع." ويقولون إنه في هذه الحالة يمثل الدّين السلعة المبيعة وأن بيعها يمكن أن يعد على أنه بيع لسلعة. ويقولون إنه حسب الشروط التي جاءت عند المالكية فإن "الدفع ليس من جنس الدّين، ولو كان الأمر كذلك، فإنه يجب أن يكون السعر نفسه حتى لا يكون هناك ربا".
وفي سياق بيع الديون المحولة إلى أوراق مالية، فإن خصائص الأوراق المالية تجعلها مختلفة عن النقد، وبالتالي لا تكون خاضعة لشروط تبادل البضائع الربوية. وعليه فإنه يجوز إعطاء حسم على بيع الدّين الذي يمثل بموجودات غير ربوية.
ينشأ الدّين عن بيع البضائع والخدمات من خلال أساليب التمويل الإسلامي القائم على البيوع، خصوصاً المرابحة. وينشأ الدّين في التمويل القائم على المرابحة الجائز شرعاً، ويشتمل السعر، كما يقول الفقهاء أنفسهم، على الربح من العملية ولا يقوم على الربا. وبالتالي فحين يبيع البنك شهادة دّين بسعر مخفض فإن المبلغ الذي يتخلى عنه، أو المبلغ الذي يحصل عليه المشتري، ناتج ليس عن الربا وإنما بالأحرى عن حصة من الربح.
ولكن هذه الحجج مرفوضة من قبل معظم الفقهاء. فهم يرون أنه متى بيعت السلعة، تنتقل ملكيتها إلى المشتري ولا تعود تابعة للبائع. وإن ما يمتلكه البائع ليس إلا المبلغ النقدي. فإذا باع الدّين فإنه يعد كأنه بيع للمال. ولا يمكن والحالة هذه مهما شطح الخيال بالمرء اعتباره بيعاً لسلعة. وهذا هو السبب في رفض هذا التفسير من قبل الغالبية العظمى من الفقهاء المعاصرين.
* الكاتب هو أحد كبار المسؤولين في إدارة تطوير المنتجات المتوافقة مع الشريعة في بنك RHB الإسلامي الماليزي.