ألا توجد خطة وطنية للتعامل مع نفوق الحيوانات؟
مع نهاية عام 2006م أشارت إحصائيات المملكة إلى وجود مليون رأس من الإبل في المملكة, إلا أن حادثة نفوق الإبل الأخيرة التي حصدت فيها 1982 رأسا خلال 15 يوما دقت أجراسا عدة فأصبحت أمرا ليس بالسهل تقبله. "أصحاب الحلال" مشدوهون, والمكلفون بالبحث في القضية مشغولون, والإعلاميون تارة ينقلون وقائعا وتارة أخرى ينظرون، حتى جاء بيان وزارة الزراعة الذي نشر في 26/8/1428هـ. لقد أفاد البيان بأن الوزارة استعانت بمنظمة الأغذية والزراعة للتوصل لأسباب نفوق الإبل في المملكة وقبول توصيتها بإرسال العينات إلى مختبرات في فرنسا. على الرغم من قيام الوزارة - كما قالت - بأخذ العينات اللازمة وإخضاعها للتشخيص المخبري في مختبرات الوزارة، ومستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ومختبر إيداك الخاص, إلا أن هناك إشارة بضعف تجهيزاتنا المخبرية والمعملية مما يجعل الوضع مثيرا للتساؤل إذا أخذنا في الاعتبار حجم الثروة الحيوانية في المملكة. إن التنسيق مع منظمة الأغذية والزراعة وإرسال عينات إلى مختبر متخصص في فرنسا لا شك خطوة جيدة للتأكد, ولكن بما أننا نقبل على عام 2008م ومرور 7 أعوام على حدث اهتمت جميع الأوساط بتطوير آلياته للخروج من مأزقه, ألا وهو وباء حمى الوادي المتصدع, يعني أننا مازلنا في حالة ارتباك حيال التعامل مع العينات وفحصها لإصدار نشرة يومية عن تطورات الوضع حتى ولو كان النفوق لم يكن سببه وباء. الارتباك الذي أصاب وزارات عدة بعد الإعلان عن أول إصابة بمرض حمى الوادي المتصدع في جمادى الثانية عام 1421هـ, تم تدارك مآسيه بآلية علمية منظمة واتفق بعدها على أن القدرات المتخصصة المحلية السعودية والوافدة من منسوبي الوزارات الخدمية ووزارة التعليم العالي ورئاسة الحرس الوطني ووزارة الداخلية استطاعوا (من خلال لجنة علمية قديرة كانت حينئذٍ تعقد اجتماعاتها في وزارة الصحة) تخطي الأزمة بأسلوب منهجي وأوصوا بشدة على تأهيل كوادر وزيادة أعداد الكورنتينات وتجهيز مختبرات للفحص المتقدم .. إلخ. أتساءل أين كل هذه بعد 7 سنوات من العمل المتواصل؟
لقد تفاعلت القيادة الحكيمة أعزها الله في قضية الضنك بجدة فوجهت بقيام أربع وزارات لوضع حل علمي عملي وعاجل نتج عنه تآزر الوزارات والقيام بخطوات كبيرة ومن ثم رصد 7 مليارات ريال لعلاج معظم مشكلات جدة الأساسية, إضافة إلى مشكلة الضنك, فهل من ذلك أيضا تأهلت معامل ومختبرات أخرى وزودت بالكوادر المتمرسة وبدأ عمل يمكن الاستفادة منه الآن؟. كما لوحظ أن الوزارة استدعت أطباء بيطريين من فروع الوزارة الأخرى لمساندة الفرق البيطرية الموجودة في وادي الدواسر، إضافة إلى إرسال الإخصائيين من الوزارة وكذلك خبير الإبل مع إرسال أدوية بجانب ما هو متوافر لدى المديرية, مما يعني أنه لا توجد خطة معينة لكيفية مواجهة حدث مثل هذا على الرغم مما مر بنا في سابقا. لقد كان حري بالوزارة توضيح "أنه بناء على الخطط المعتمدة في الوزارة في حالة كذا ويذكر "نفوق الحيوانات" تم كذا.. إلخ. لذلك أتساءل هل أعد البيان على عجالة على الرغم من مرور 15 يوما على أول بلاغ لنفوق الإبل؟. إن كان ما أورده الإعلام بهذه الصيغة فإن كثيرا من المتمرسين والأطباء البيطريين يمكنهم ملاحظة الفرق بين ما يسجل في موقع الحدث وصيغ التقارير العلمية وكيفية الإعلان الرسمي عن الحالة في هيئة بيان وما يشار فيه وتضمينه نية الوزارة نشر بيان يومي في الإعلام وعلى موقع الوزارة وتخصيص الأرقام كذا للإبلاغ عن أي حالات شديدة مشتبه بها. أما من ناحية تشخيص البيطريين لحالة النفوق وإرجاعهم إياها إلى التسمم وليس لمرض وبائي وهو ما يجعلنا نتنفس الصعداء ونحمد الله على ذلك, فيقودنا إلى السؤال "لماذا تم الانتظار لمدة 15 يوما إلى أن يكتشف في محافظات أخرى ويعتمد على "الاستضفاء المعلوماتي" المتحصل عليه من أصحاب الإبل فقط دون أن تنصب الخيام للفرق للمعاينة والمتابعة الميدانية هنا وهناك ويعلن ما قد توصلوا إليه بعد أسبوع مثلا؟. ثم هل أخذ في الاعتبار إن كانت المواقع التي نفقت فيه الإبل قد تم الرعي فيها خلال الأعوام الماضية سجل أو لم يسجل خلالها إصابة أي قطيع بأي مرض؟. من زاوية أخرى تم بدء التحقيق في عملية صرف ونقل وتوزيع النخالة وفي هذه إذا لم يكن في الوزارة قيود وإجراءات منظمة يدوية وآلية فستستغرق العملية شهورا لإثبات أي دليل على وجود مخالفة, وبالتالي ألا يوجد خطة مُحْكمة لتنشر النتيجة خلال أسبوع على أكثر تقدير؟. وأخيرا, فالدعوة التي وجهت للمختصين في هيئة الغذاء والدواء لاجتماع عقد مع المختصين في الوزارة والمؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق، كانت تحركا إيجابيا وضروريا إلا أن كونه اجتماعا واحدا كما فهم من البيان فهذا يعني أنه لم تشكل لجنة مؤقتة أو دائمة!, والسؤال هنا ألا نحتاج إلى المتخصصين والعلماء في الجامعات وبالذات في جامعة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود وجامعة الملك فيصل؟
إن قضية نفوق الإبل أكدت سياسة "الفعل ورد الفعل" في حين أن المفترض تطبيق سياسة "الخطط متوسطة وبعيدة المدى", وهاهي بوادر إفرازات الارتباك حيث أشيع في عدة مناطق زيادة أسعار الأعلاف, فهل تؤكد حادثة نفوق الإبل في هذا العام أهمية التخطيط لنا ولمستقبل أجيالنا لعقود قادمة؟. آمل ذلك والله المستعان.