التوازن الاقتصادي - الاجتماعي

[email protected]

لن أزيد على ما كتبه الكثيرون في أن الوقت الحاضر الذي نعيشه هو قمة ما وصلت إليه بلادنا على جميع الأصعدة: سياسيا، هي تعيش ثباتاً واستقراراً وثقلاً سياسياً كبيراً على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية وحتى العالمية. ولعل المواقف والأحداث التي تبنتها المملكة مواقف واضحة تدل على هذا التميز، بالإضافة إلى ذلك فإن القيادة السياسية بوجود خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله وولي عهده تعتبر قيادة ذات قبول كبير ومحببة إلى قلوب الجميع. اقتصاديا، فإن المملكة تعيش طفرة اقتصادية كبيرة تتفوق بمراحل على طفرة السبعينيات الميلادية من حيث الكم والكيف، فهي تعيش انفتاحاً اقتصادياً لم تشهد له مثيلاً وسط متغيرات كثيرة منها الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وعصر الاستثمار الأجنبي. اجتماعيا وديموغرافيا، فإن زيادة عدد السكان على أساس 3.5 في المائة سنويا جعلتنا نتخذ موقعاً متقدماً من ناحية عدد السكان الذي وصل إلى نحو 27 مليون جلهم تقل أعمارهم عن 30 عاما أي أن أكثر من نصف المجتمع ولد في أواخر الطفرة الاقتصادية الأولى.
واليوم أصبح موضوع تأهيل الشباب السعودي هو الشغل الشاغل للجميع لمواجهة الطلب المتزايد لسوق العمل الذي لا شك أنه يشهد انفتاحا لا مثيل له، وأصبحت الحوارات تحلل أسباب المشكلات التي يواجهها سوق العمل في ظل ضعف مخرجات التعليم التي تفتقد أبسط احتياجات سوق العمل في القطاع الخاص وهي اللغة الإنجليزية لغة عالم الأعمال، ولكن هل هذه هي المشكلة فقط؟
هذه المقدمة كانت لمحاكاة ذاتية بعد حوار طويل مع رجل أعمال ألماني، أخذت أستمع فيه لما يعانيه مستقبل الاقتصاد الألماني بسبب ما اصطلح صديقي على تسميته بأن ألمانيا تواجه شيخوخة اقتصادية بسبب ارتفاع متوسط الأعمار في ألمانيا، وهو ما بدأ الحديث عن شكواه الشخصية لصعوبة جذب شباب ألماني مؤهل للعمل في شركته، وعندها توقعت أن مشكلة مخرجات التعليم وصلت إلى ألمانيا. إذاً لا مشكلة لدينا، ولكن لم تكن المشكلة في مخرجات التعليم، بل في قلة عدد الشباب المتوقع وصولهم إلى سن العمل بسبب انخفاض عدد سكان ألمانيا إلى 80 مليونا. وأخذ الصديق في سرد الكثير من القضايا الاجتماعية ذات البعد الاقتصادي وكيف أن عزوف الشباب الألماني عن الزواج أو لنقل الإنجاب بسبب اهتمامهم بالمستقبل الوظيفي، مما حدا بالحكومة الألمانية إلى العمل على تشجيع الإنجاب، في محاولة لتقليل المخاطر على الاقتصاد الألماني والتي بلا شك أنه سيستعين بالسماح لعدد أكبر من المهاجرين لسد الفراغ الذي يتطلبه سوق العمل. ولكن ستظل هناك مشكلة حسب حديث الصديق.
المشكلة في التركيز الكبير على سد احتياجات سوق العمل الذي يملكه أصحاب رؤوس الأموال وفق النظرية الرأسمالية، ولكن ماذا عن احتياجات الاقتصاد من الصناعات الأساسية التي يتبناها الأفراد، بمعنى هل سيكون هناك نسيان للحرف التي تدعم الاستمرار الاقتصادي ـ الاجتماعي بعيدا عن العمل الإقطاعي الذي يصادر ملكيات الأفراد لمصلحة أصحاب رؤوس الأموال، وبذلك فإن أي اقتصاد سيعاني مشكلة استراتيجية تتمثل في استمرار النمو الاقتصادي ـ الاجتماعي لمخرجات الاقتصاد الأساسية تحت أي ظرف.
وهنا تكمن المشكلة في واحد من أقوى اقتصاديات العالم وأكثرها دينامكية على مستوى التصدير، وهي إلى حد ما المشكلة نفسها التي نعانيها هنا في المملكة المتمثلة في التركيز على تأهيل جميع الوظائف أكثر من المهن أو لنقل التعليم العالي والمهني بشكل يجعلنا ننسى أهمية العمل الحرفي الذي يقوم به الأفراد كنتيجة لطبيعة المجتمع الذي يعيشه الشباب، بالإضافة إلى أننا نواجه مشكلة أخرى ذات علاقة وهي التركز السكاني في المدن الرئيسة والنزوح عن القرى التي تعتبر الممول الرئيس للحرف الأساسية، وبالتالي فإن ذلك يخلق نوعا من عدم التوازن الاقتصادي - الاجتماعي على المدى الطويل، قد يؤثر في استمرار النمو الاقتصادي أو لنقل قد يؤثر في استمرار التوازن الاقتصادي ـ الاجتماعي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي