"فقه المصطلحات"

 "فقه المصطلحات"

تبقى معرفة دلالة الكلمة والسياق صلة رئيسة في اللغة البسيطة التي يتحدثها الناس كبشر ناطقين، لكن حينما تتحول في قراءة تاريخ المصطلحات التي تجاوزت رسم اللغة الأول - وإن كانت تحتفظ بنوع علاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي من حيث وجود نسبة مشتركة من المعنى - فقد كان الاصطلاح يتسم بشيء كثير من الانضباط والاستقرار التاريخي، مع ما يوجد من خلاف علمي في تفسير كثير من الأسماء، وهذا الاستقرار يعتبر امتيازاً حسناً يحافظ على الحقائق المقولة تحت هذا اصطلاح من حيث وضوح المراد، لكن في التاريخ المعاصر ظهرت مشكلة "تداخل المصطلحات" من جهة و"تحويرها" من جهة أخرى، وصار الذوق والطبيعة الخاصة والمفهوم الخاص كلها تتدخل أحيانا بدرجة الاستقلال في فرض اصطلاح أو تفسير له، وهذا يعد من الظواهر المعاصرة التي تشير إلى غيابٍ كثيرٍ للضبط العلمي ونظم المعارف على موازين تحفظ المعاني وترسم علاقة فقه صحيحة لأي مصطلح.
لعل هذه الإشارات أعطت وصفا للمشكلة من منظورها العلمي؛ لأني على ثقة أن مجموعة من الأسباب متعددة وراء ظهورها لا تدور في المحور العلمي فحسب، وبكل تقدير فالقارئ لعلم الشريعة مع تمامها من حيث البيان "اللفظ" والمعنى إلا أن صاحب الشريعة عليه الصلاة والسلام أبان خيرية الفقه حتى في هذا المحكم.
وفي قوله عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين). تنبيه تام إلى لزوم مقام الفقه، ومعرفة حقائقه التي لا تختص بمعرفة الدلالة بل ومعرفة الآثار والمقاصد، ومن هنا ترى علماء قواعد الشريعة ولا سيما المحققون منهم يذكرون مقام الفتوى في جملة من التراتيب العلمية تكون عندها الفتوى معتبرة عن مشكاة الشريعة من حيث اعتبار التصور لمحل النظر والفتوى من جهة، ومن حيث اعتبار الحكم بعلائقه وهي عدة، ومن حيث اعتبار الأثر والوقوع من جهة ثالثة، وإذا كان مثل هذا يقال في الفتوى فإن ما دونها في الرتبة من القول لا يسقط لزوم ضبط فقه الكلمات ونظم الاصطلاح حسب معيار العلم الذي يمكن إدارة النظر فيه حتى لا يصار إلى السقط في العلم أو تهوين رتبته، والله الهادي.

الأكثر قراءة