هيئة الصين للطاقة وحلمنا بمملكة الطاقة
قد يكون من المصادفة أن يكون اهتمامي أو اقتراحي في مقال الأسبوع الماضي عن أن يكون لنا رؤية مستقبلية لنكون دولة أو مملكة الطاقة وأن يتزامن مع المؤتمر الذي عقد قبل يومين عن دول الطاقة، التي تتبع روسيا. وهي مؤسسة أو هيئة للطاقة مكونة من عدة دول كبرها الصين وروسيا وينضم لها كازاخستان وطاجكستان وبعض الدول التي استقلت من الاتحاد السوفياتي. وهو مؤتمر معروف وتهدف من خلاله المنظمة للتحكم في أبحاث ومسارات وتوجهات الطاقة في العالم، وكيف تتمكن تلك الدول من الاستفادة منها. ولكن أكثر ما شدني هو حرص ثلال دول أخرى ومطالبتها بالانضمام إلى تلك المنظمة. وهذه الدول هي إيران والهند وباكستان. وهذا الاهتمام من تلك الدول يجعلني أعيد الطرح والتفكير في ضرورة أن نتقدم للانضمام لتلك المنظمة. أو أن يكون لنا كياننا الخاص في ترؤس منظمة مشابهة لها وندعو غيرنا من الدول الأخرى والمستفيدة من ثروتنا النفطية للمساهمة معنا. فنحن كمجتمع ودولة أفراد ومؤسسات يجب أن يكون لدينا رؤية مستقبلية واضحة ومبنية على قدراتنا ومقدراتنا. فمعظم دول العالم تسعى لأن يكون لها مسمى يعكس حضارتها وما تسعى للوصول إليه. وتتسابق وتتصارع فيما بينها لمسميات مثل آسيا الجديدة وآسيا السياحية والاقتصادية والتجارية. بينما نحن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم تفتقد رؤية مستقبلية واضحة لما نهدف إليه. وماذا ستكون رؤيتنا التي نحملها للأجيال القادمة عندما ينتهى مخزوننا من النفط. أو عندما يتضجر العالم من مشاكل التلوث البيئي، خاصة بعد التوجه العالمي الأخير لتجنب الطاقة النفطية. ومحاذير ذلك علينا من فرض ضرائب أو عقوبات. أليس من الأولى أن نبدأ من الآن في وضع رؤية وخطة مستقبلية للاستفادة من مدخراتنا النفطية لتطوير تقنية تقليل التلوث من الوقود وفي الوقت نفسه تطوير البدائل الأخرى للطاقة، التي حبانا الله بها مثل الطاقة الشمسية والكيميائية وغيرها. وأن نسخر إمكاناتنا للبحث العلمي والتطوير لتلك البدائل وندرب أبناءنا من خلال برامج مشتركة مع الدول التي سبقتنا في هذا المجال. وما الذي يمنعنا أن نحلم أن نكون دولة أو مملكة الطاقة Energy Kingdom؟
هل لدينا أي شك في أننا دولة حباها الله بثروات من الطاقة لا تحصى بدءا من النفط ومشتقاته إلى البدائل النظيفة للطاقة؟ ثروات من جيولوجية وطبيعية ومناخية من الأشعة الشمسية والشمس اللاهبة إلى الثروة الهائلة من الرمال التي يصنع منها السليكون للشرائح الضوئية. وإلى صحراء ووديان مناسبة لمجار أو أنفاق هوائية لتحريك مراوح الطاقة الهوائية وإلى محاصيل التمور التي يستفاد منها في الطاقة الكيميائية من حرق السكر وتحويله إلى أنواع الوقود الكحولية.
مجموعة كبيرة من المخرجات والثروات التي لا بد من تبني فكرة تطويرها حسب الأولوية والأهمية من خلال خطة طويلة المدى وعلى مراحل من عشرات إلى مئات السنين. فالعالم يتوجه إلى هذا المسار. ولنجار التسابق العالمي الذي تتزعمه ألمانيا حالياَ وتنافس فيه سويسرا وأمريكا وهو للتوجه إلى أهم بديلين حاليين للطاقة النفطية وهما الطاقة الشمسية والطاقة الهوائية. وتسعى حالياَ الصين والهند وكندا للدخول بقوة في هذا المجال، الذي أزف وقته.
وأعود إلى ما سبق أن أشرت إليه من وسائل الطاقة الشمسية باتجاهيها لتوفير الطاقة: الاستفادة من حرارة الشمس بالأسلوب التقليدي أو تطوير التقنية لتركيز حرارة الشمس في بؤرات عاكسة لتسليط حرارة شديدة تساعد على التبخير للمياه ومن ثم تقطيرها. وإمكانية تطوير محطات تحلية مياه صغيرة جداَ ويمكن استعمالها لكل منزل. وقد تكون مناسبة للمزارع والمصانع البعيدة عن المدن. والاتجاه الآخر للطاقة الشمسية هو الأكثر تعقيداَ وتكلفة وهو استعمال الخلايا الضوئية (فوتوفولتك) لتوليد الطاقة الكهربائية وتخزينها. وهو المجال الذي تتسابق إليه الدول. وقد كان العائق أمام هذا البديل هو عدم جدواه اقتصاديا بسب التكلفة العالية لصناعة الخلايا الضوئية الفولتية. ولكن التطور الأخير، الذي جعل تلك التكلفة تقل 50 في المائة عما سبق هو الذي أعاد الاهتمام بها ثم البديل الآخر وهو المراوح الهوائية لتوليد الطاقة وبالتوجهين السابقين نفسيهما للطاقة الشمسية. فالمراوح الهوائية كانت تستعمل في هولندا بطريقة تقليدية وميكانيكية بسيطة لنقل المياه من جهة إلى أخرى. كما كانت تستعمل لضخ المياه من الآبار الضحلة. ولكن التوجه الحالي هو لاستعمال تقنية المراوح الهوائية لتوليد الطاقة الكهربائية من خلال مزارع من المراوح الكبيرة، التي تبلغ ريشتها عشرات الأمتار. وتدير تلك المراوح توربينات ضخمة وكافية لتوليد طاقة كهربائية لإنارة مدينة كبيرة. وأخيرا وليس آخرا بدائل الوقود البيولوجية أو الكيميائية مثل الوقد بالكحول والهيدروجين والغازات الأخرى. ويستخرج الكحول من محاصيل زراعية معروفة كمصدر للسكر أو الجلوز. وقد يكون ما لدينا من ثروات التمور في المملكة ما يمكننا من تصدير هذه الطاقة للعالم.
هذا المؤتمر يجعلني أربط الرؤية المستقبلية لنا كمقترح للمضي قدماَ في موضوع مملكة الطاقة وحث المسؤولين أو المختصين في هذا المجال لوضع أيديهم معنا لإنارتنا عن مدى جدية وجدوى هذا المقترح. وإلى طرح الموضوع في مسابقة عالمية وعلمية مثل جائزة الملك فيصل الخيرية وللمساهمة في طرح الموضوع للنقاش في حلقات الحوار الوطني ووضع خطة ورؤية مستقبلية متميزة وتميزنا عن غيرنا. وأن نسخر لذلك البحث القدرات المالية والبشرية والعلمية للتطوير وأن نزرع في أبنائنا هذه القدرات وأن نوجههم التوجيه الصحيح من خلال جامعات ومعاهد تدريب، وأن نسعى لأن نكون دولة الطاقة بكل ما يحمله الاسم من أبعاد.