رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مدينة بلا دخان وكيفية تطبيق القوانين؟

[email protected]

بدا في الآونة الأخيرة أن ظاهرة التدخين غزت المدن السعودية بشكل لم يسبق له مثيل. والأغرب من ذلك أن الأولوية في كل شيء أصبحت للمدخنين. فإذا ما بدأ أحدهم بالتدخين في منطقة يمنع فيها التدخين وأشرت إليه أن التدخين ممنوع في هذا المكان، نظر إليك بنظرة كلها اشمئزاز وازدراء، هذا إن لم يبادرك بالشتام والسباب قائلاً ( هذا مهوب بيت أبوك). وقديماً كان للمدخنين حال وأصبحوا في حال آخر. فقديماً تجدهم يختبئون في زوايا الحارات (عواير السكك) لممارسة هوايتهم المفضلة والتي كانت تعد جرماً كبيراً بمقاييس ذلك الزمان. أما الآن فهم يتمتعون بعصرهم الذهبي بعد معاناة طويلة مع الاضطهاد الاجتماعي فينفثون أعقاب سجائرهم في كل مكان ودون أي اكتراث لنظرة الآخرين لهم، للدرجة التي أصبحت أتحاشى أن أطلب من أحدهم التوقف عن التدخين. لكن لماذا هذا الانتشار القوي لظاهرة التدخين في المملكة؟ هل هو العامل الاجتماعي المتعلق برغبة الشاب في الظهور بمظهر الشخص الجسور القادر على تجاوز الحدود الاجتماعية المقبولة أم أن هناك عاملاً اقتصاديا يفعل فعله الخفي إزاء انتشار هذه الظاهرة الخطيرة؟
في اعتقادي أن انتشار التدخين في المملكة وفي الدول العربية ليست ظاهرة اجتماعية فقط وإنما لها جوانب اقتصادية عميقة. فقد بدأت في الدول الغربية ومنذ وقت ليس بالقصير عملية محاسبة شديدة لشركات التبغ وعملية سن قوانين صارمة تتعلق بالتدخين في الأماكن العامة. فمن كان يتصور أن التدخين سيحظر في جميع الأماكن العامة في نيويورك لدرجة أن يمنع التدخين حتى في الحانات والملاهي الليلية، في سعي إلى جعل نيويورك (مدينة بلا دخان). كذلك بدأت ولايات أمريكية أخرى اقتفاء أثر نيويورك في ذلك، حيث تسعى ولاية بنسلفانيا إلى أن تصبح خلال السنوات الأربع المقبلة ولاية بلا دخان. نتيجة لذلك تثار الكثير من التساؤلات بشأن اتجاه الأرباح المستقبلية لأرباح شركات التبغ في الأسواق الغربية، حيث ستجد شركات التبغ أن أرباحها في الأسواق الغربية بدأت تتناقص مما يجعلها تتجه إلى تعويض هذا التناقص بتنمية أسواق جديدة في الدول الأقل تقييداً للتدخين.
هذا الأمر يجعلنا نتساءل عما إذا كنا مستهدفين فعلاً من هذه الشركات, وما إذا كان تناقص أرباح هذه الشركات سيؤدي بها إلى استهداف شبابنا الذي ينمو بأسرع المعدلات العالمية, والذي يمثل أكثر من نصف سكان المملكة. إذا كان الأمر كذلك يلزمنا أن نسعى إلى سن قوانين لمكافحة التدخين أو على الأقل تفعيل القوانين الحالية المتعلقة بالتدخين سواءً في أماكن العمل والأسواق والمطارات والمطاعم والجامعات. هذه القوانين يجب أن تؤكد على المحافظة على حق غير المدخن وحمايته من آثار التدخين السلبي بحيث يكون الأصل خلو المكان من التدخين والاستثناء التدخين ذاته مما يتفق مع القاعدة الشرعية "لا ضرر ولا ضرار".
ومما يثلج الصدر ظهور بعض بوادر مكافحة التدخين وحماية حق غير المدخنين باستنشاق الهواء النقي، حيث منعت بعض المقاهي وبمبادرة منها التدخين داخلها، ولكن مع ذلك يوجد من المدخنين من يستطيع كسر القاعدة والسبب في ذلك عدم وجود إطار قانوني يحكم عملية التدخين في الأماكن العامة. حيث لم تسع أي من أمانات المدن أو البلديات في المراكز والمحافظات إلى تطوير أطر قانونية تحكم عملية التدخين في الأماكن العامة وبشكل تفصيلي. وعملية تطوير هذه الأطر والأنظمة لن تكون بالعملية الصعبة ما دام الغطاء القانوني الأعلى والمتمثل في القرارات الملكية الكريمة والتي تمنع التدخين في الأماكن العامة وفي أماكن العمل متوافرة أصلاً. إضافة إلى ذلك نحتاج إلى إطار قانوني وتنظيمي مفصل يحكم عملية التدخين في أماكن العمل، حيث يحمي حقوق العاملين غير المدخنين ويوفر أطراً للسلامة في بيئة العمل. كما أن هذه القوانين يجب أن تشمل القطاع الحكومي والقطاع الخاص.
أمر أخير يتعلق بمسألة تفعيل هذه القوانين، فكما أشرت سابقاً إلى أن القرارات الملكية المتعلقة بمنع التدخين موجودة أصلاً ولكن القصور أتى في عملية تطبيق هذه القوانين ومن جميع الجهات الحكومية والخاصة وبلا استثناء، وما أقترحه هو تطوير أطر تنظيمية تتعلق بالتدخين في أماكن العمل والأماكن العامة الأخرى، بعد ذلك تقوم جمعيات مدنية أخرى كجمعية مكافحة التدخين بمراقبة مدى التزام الجهات الحكومية أو القطاع الخاص بتطبيق هذه القوانين ووضع تصنيف لأكثر الجهات التزاما. إضافة إلى ذلك أقترح أن تقوم جمعية مكافحة التدخين بوضع صفحة إلكترونية على موقعها، حيث تكون فيها قائمة بيضاء للشركات والمطاعم والمقاهي التي تلتزم بهذه الأطر وقائمة سوداء للأخرى التي لا تلتزم بهذه الأطر التنظيمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي