رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مؤسساتنا والجهل المكعب

[email protected]

انعدام أو ضعف التخطيط يعني التخبيط، وانعدام أو ضعف التنظيم يعني الفوضى، وانعدام الرقابة يعني ترك الحبل على الغارب دون قدرة على التقويم. وكلنا يعرف مصير مؤسسة تعاني كل ذلك، وكلنا يعرف أن التخطيط السليم يحتاج إلى معرفة دقيقة وحديثة وشاملة لإمكانات المؤسسة وعملائها المستهدفين والمنافسين، ليتمكن المخطط من وضع أهداف واقعية قابلة للتحقيق ويضع آليات تحقيق تلك الأهداف في جداول زمنية محددة.
الكثير من مؤسساتنا التي حققت نجاحات فيما مضى من الزمن، حيث ضعف المنافسة السوقية لما يتلقاه المستثمر السعودي من دعم وحماية حكومية، أعتقد أنها ستعاني معاناة شديدة قد تؤدي إلى إفلاسها في زمن منظمة التجارة العالمية ما لم تتدارك نفسها وتعيد حساباتها بما يتناسب ومعطيات الحاضر ومتغيرات المستقبل، فالماضي قد تغير إن لم يكن قد تحول تحولا كبيرا غير قواعد اللعبة الاقتصادية بشكل جذري.
ما حثني على كتابة هذه المقالة التي تكاد تكون مقالة أكاديمية هو ما رأيته في إحدى الشركات العقارية المرموقة من جهل مكعب بذاتها وعملائها ومنافسيها. فهذه الشركة التي استطاعت بناء صورة مميزة ومكانة مرموقة لها زمن المساهمات العقارية وما قبلها، حيث الجميع يكسب ببذل جهود متواضعة مقرونة بنية خالصة، أقول إن هذه الشركة لم تستطع أن تدرك حتى الآن أن المعطيات تغيرت وأن الواقع يستدعي إجراء تغيرات فكرية جذرية تفضي بالضرورة إلى تغيرات هيكلية جذرية أيضا للتصدي لمعطيات الحاضر ومتغيرات الغد. وهو أمر حز في نفسي بطبيعة الحال على اعتبار أن ذلك الأمر متكرر في معظم مؤسساتنا خاصة تلك التي مازالت تدار بعقليات الآباء والأجداد وما اعتادوا عليه.
ومما حز في نفسي أيضا أن تكون هذه الشركة ومثيلاتها من الشركات ذات التاريخ الناصع والسمعة المتميزة خارج هموم الوطن والمواطن من ناحية، كما أنها لا تستطيع أن تنهض بنفسها لتكون في مستوى الواقع، حيث مازال القائمون عليها يرون أن المؤسسة الناجحة هي تلك المؤسسة التي تستطيع أن تلمس الطلب الكبير (لا تستشرفه) ثم تعمل على تلبيته بإمكاناتها الذاتية دون اللجوء إلى أي صيغة من صيغ الاقتراض على اعتبار أن القروض خطر يتهدد المؤسسة (لا حافزا لها للمزيد من الإنتاج والالتزام)، وذلك لعمري فكر لا يصلح بحال من الأحوال في البيئات التنافسية الحالية والمقبلة.
والمحزن أيضا أن بعض من هؤلاء يتمترس وراء تجارب فاشلة لمؤسسات أراد القائمون عليها القفز إلى الحاضر بهلوانيا بالنية الخالصة دون الأخذ بالأسباب، ما جعلهم يسقطون على ظهورهم سقطة سببت لهم شللا استثماريا انتهى ببعضهم وراء القضبان، في حين أن البعض الآخر وللأسف الشديد ينظر إلى التجارب الناجحة بعين الشك والريبة، حيث يبحث عن السر الخفي وراء تلك النجاحات وهو على ثقة تامة بأن ذلك السر يتمثل في دعم لا متناه من شخصية كبيرة ذات مال وجاه ومنصب ذي قرار حاسم، لذا تجده لا يتخذ أي خطوة تطويرية في انتظار أن تهبط عليه مثل هذه الشخصية.
ولهؤلاء الإخوة أقول: حان الوقت للاعتراف بالمشكلة الرئيسية المتمثلة في الجهل المكعب أولا، وثم العمل على معالجة ذلك الجهل بموضوعية بعيدا عن وضع أي فرضيات غير منطقية تشكل عائقا أمام أي خطوة تطويرية. والعلاج لا يمكن أن يكون دون الاستعانة بمستشارين مهنيين متخصصين ذوي خبرات متراكمة ونجاحات سابقة، لتشخيص الوضع تشخيصا سليما بالاستناد إلى دراسات علمية دقيقة وحديثة وشاملة لرؤية الواقع كما هو تماما لا كما نحب أو نتوهم، لاتخاذ القرارات التطويرية السليمة في الوقت المناسب، بما يعزز قدرات المؤسسة التنافسية على مواجهة المنافسة الشرسة التي أخذت تطل برأسها في سوقنا التي تعتبر السوق الأكثر جذبا باعتبارها أكبر سوق شرق أوسطية.
ولكي أوضح لكم أهمية التعرف على أحد عناصر الجهل المركب وهو الجهل بالعميل المستهدف، أقول إن معظم مؤسساتنا تجهل حجم ومصادر دخل كل رب أسرة سعودي رغم أن أرباب الأسر يعتبرون الشريحة المستهدفة لكل شركة تريد تسويق منتجاتها أو خدماتها من خلال منافذها التسويقية ولا شك أن حجم دخولهم يعتبر عنصرا حاسما في قدرتهم على شراء تلك المنتجات أو الخدمات، ولذلك تجد معظم المؤسسات تعتمد على الحدس فأحدهم يقول مساكين هؤلاء فرواتبهم منخفضة ومعظمهم ملتزمون بسداد قروض الأسهم التي خسروها في نكسة الأسهم الشهيرة، بينما يقول البعض الآخر إن معظم المواطنين السعوديين لا يعتمدون على مصدر دخل واحد فمعظمهم لديه مصادر دخل أخرى ودليل ذلك القوة الشرائية التي يتمتع بها المواطنون، أيهما صح وأيهما خطأ؟ وكم درجة الصحة والخطأ؟ لا نعلم، فأي قرار تطويري يمكن بناؤه مع الجهل بقوة العميل الشرائية؟
ختاما: كلي ثقة بأن التوجه لمعالجة الجهل المركب سيؤدي إلى انتعاش البحوث والدراسات مما سيؤصل بالتأكيد لقواعد بيانات ومعلومات كبيرة، كما سيحفز كثيرا من الجهات الحكومية والخاصة وغير الربحية للمزيد من الاهتمام بالمعلومة وتوفيرها، وكل ذلك سيحفز مؤسساتنا إلى المزيد من المؤسساتية القائمة على البحث والتخطيط والتنظيم والتقويم استنادا إلى معلومة حديثة ودقيقة وشاملة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي