رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التعاطف مع "السعودية" لا يلغي مسؤوليتها

نبيل المبارك
الفاصل بين الواقع والخيال قد يكون طيفا مرئيا، ولكنه في أحيان أخرى غير ذلك، وقد يصل في حالات أخرى إلى تقاطع حاد بين الواقع وذلك الخيال. وهو ما قد نسمعه في حديث لطفل واسع الخيال أو نشاهده في أفلام ومسلسلات مع تداخل بين شخصيات واقعية وأحداث هي أشبه بالأمنيات أو التخوفات حسب رؤية كاتب السيناريو سواء كانت تفاؤلية أو تشاؤمية.
وسيناريو هذا المسلسل لهذا المقال هو هذا وذاك، ولولا كونها مشاهدة ومعاشة بكل أطيافها لكان المرء تردد في كتابتها. الخطوط "السعودية" ذات تاريخ طويل ومشرف منذ نشأة البلاد وهو (أي التاريخ) مسجل بخيوط من ذهب. ولكن مشكلة الحياة أن التاريخ وحده لا يشفع للأسد لكونه أسداً ولا للغزال لكونه كذلك كما يقول الشيخ محمد بن راشد المكتوم ما لم يتحركا بوتيرة متسارعة للبقاء والحياة. الحركة هي الدلالة الوحيدة على الحياة وما عداها موت حقيقي، ولا أعني أي حركة وإنما الحركة الدائبة المنتجة وليست المتقطعة حسب الأهواء والأمزجة والأشخاص. بالتالي لا يستطيع الإنسان الحياة بالتاريخ فقط، فلا بد من واقع معاش ومستقبل يخطط للوصول إليه واضح أمام الجميع وليس حكرا على أحد كما في الشركات العملاقة التي لديها خطط واضحة معلنة لكل المهتمين بها داخليا حتى حارس مبنى تلك الشركة وخارجيا حتى.. وإلا لما غير لقب الفتاة من فاتنة إلى عجوز شمطاء بعد كبر سنها، نعم هذه حقيقة الحياة. كما أن المرحلة التي تعيشها الخطوط السعودية هي مرحلة الانتقال من القطاع العام إلى القطاع الخاص وهذا مفهوم ومقدر ولن تكون مرحلة سهلة على الجميع سواء داخل تلك المؤسسة العملاقة وخارجها. وأنا أتعاطف مع المسؤولين بقدر التعاطف مع الجمهور أو الزبائن أو المضطرين لاستخدام الخطوط السعودية. ولكن هذا التعاطف لا يلغي المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق تلك المؤسسة الوطنية الكبيرة.
لا أود التحدث عن تفاصيل حالة خاصة مررت بها مع الخطوط وهي حالات وليست حالة واحدة حتى لا تظهر وكأنها شكوى شخصية. ولكن حقيقة أن يتم إلغاء رحلة كاملة قبل عشر دقائق فقط من إقلاعها رغم أن أوراق صعود الطائرة في أيدي الركاب دون مبرر واضح حتى بعد الإلحاح بالسؤال من قبل هؤلاء الركاب الذين لا حول لهم ولا قوة، عن سبب الإلغاء أو البدائل للركاب في منطقة من مناطق المملكة وهي ذات رحلات محدودة العدد في اليوم، فهذه دلالة واضحة على مستويات التفكير لدى موظفي ومسؤولي المطار إلى عملائهم (الركاب) الذين هم حقيقة مجبرون على هذه الخدمة ولا بدائل لديهم على الأقل حتى يتوسع الناقلان الجديدان إلى جميع المناطق.
وفقط لتذكير المسؤولين في "الخطوط الجوية العربية السعودية" بسر النجاح في مثل أعمالها وكل الأعمال التي تعتمد على معيار الرضا عن الخدمة وليس شيئا آخر، أود سرد حالة حدثت مع خطوط أخرى دولية في منطقة عدد سكانها لا يتجاوز ربع عدد سكان المنطقة التي ألغت الخطوط رحلتها رقم (...) وتاريخ (...). ففي صبيحة يوم بارد جداً كنت متجهاً من تلك المنطقة إلى باريس ومنها إلى أرض الوطن. وذهبت قبل الإقلاع بما يزيد على الساعتين ونصف إلى المطار، وأمام كاونتر الحصول على كرت صعود الطائرة، قالت الموظفة بكل أدب إنها لا يمكنها إصدار كرت الصعود بسبب عدم وجود فيزا في جواز السفر الخاص بي للدولة التي ستمر الرحلة بها بطريق العودة (باريس)، وبالتالي لن تسمح لي فرنسا بالمرور في أراضيها ومنها إلى المملكة. فقلت لها ولكني جئت إلى هذه المدينة بالطريقة نفسها ولم يعترض أحد، وقد قمت في مطار شارل ديجول بتغيير الطائرة التي وصلت من الرياض والصعود إلى الطائرة التي أقلتني من باريس إلى هنا. قالت هذه هي التعليمات ولا أفهم كيف استطعت المرور في مطار شارل ديجول لتغيير الرحلة دون وجود فيزا تسمح لك بعبور الأجواء الفرنسية. ولكنها استدركت بعد طول كلام مع مدير الفترة في تلك الخطوط وقرروا الاتصال بالخارجية الفرنسية للتأكد من إمكانية تمرير الموضوع. وقالت الخارجية الفرنسية هذا غير ممكن. المفرح رغم المأساة أن تلك الموظفة ومديرها لم يرميا علي الأوراق في وجهي أو يخليا نفسيهما من المسؤولية رغم أنهما فعلا غير مسؤولين، انتهى دورهما بتأكيد أن ذلك هو الإجراء ولا مناص منه حسب التعليمات، إنما بدأت في محاولات المساعدة من خلال سؤالي عن وجود فيزا مع دول أخرى مثل بريطانيا أو أي دولة تستطيع تمريري في رحلة متوجهة إلى تلك الدولة. ولكن لم يكن معي أي فيزا لأي دولة ما عدا الدولة التي أنا موجود فيها. وبعد بحث عن جداول الرحلات قالت إن هناك رحلة ستقلع الساعة الثانية ظهرا اليوم إلى الرياض مباشرة ولكنها من مدينة جنيف حيث تبعد أكثر من ثلاث ساعات بالسيارة. بدأت تبحث لي عن رحلة من المدينة التي أنا فيها إلى جنيف ولكن لا توجد رحلة نستطيع بها الوصول قبل إقلاع الرحلة المتوجهة منها إلى الرياض. ومع ذلك لم تيأس من المحاولة، وقامت باقتراح ومبادرة منها وهي موظفة عادية وليست مديرة المحطة بدرجة نائب رئيس تلك المحطة! أن يتم استئجار سيارة على حساب الخطوط (طبعا ليست الخطوط السعودية) حيث تأخذني إلى مدينة جنيف محطة الإقلاع إلى الرياض، ليس ذلك وحسب، ولكن باعتذار شديد أولا لأني سأضطر إلى ركوب السيارة وتحمل عناء السفر لثلاث ساعات، وقالت سأرتب لك كرت صعود الطائرة من هناك وسأرسل رسالة بضرورة انتظار الراكب في حالة، لا سمح الله، صار تأخر في وصولي إلى المطار الآخر. وهو ما حدث نتيجة الضباب الكثيف الذي منع السائق من السير بأكثر من 60 كيلو/الساعة. ولكن وجدنا الجميع في الانتظار رغم أن جميع ركاب الطائرة أصبحوا داخلها، مع تذكير الخطوط الجوية العربية السعودية أن تذكرتي كانت سياحية أو لا يوجد كرت للحصول على خدمات المكتب التنفيذي لتلك الخطوط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي