مستقبل صناعة الإيثيلين في العالم وتغير الأدوار

مستقبل صناعة الإيثيلين في العالم وتغير الأدوار

تبقى الصناعات البتروكيماوية في المنطقة العربية صناعة فتية على الرغم من القفزات الكبيرة التي قامت بها في الفترة الأخيرة، والتي أثرت وغيرت الكثير من سياسات السوق البتروكيماوية حتى أصبحت ظاهرة تؤرق كبرى الشركات البتروكيماوية العالمية، وتظل صناعة الإيثيلين وإنتاجه المربح في دول الشرق الأوسط من أهم عوامل انبعاث النهضة البتروكيماوية في المنطقة.
لا شك أن المملكة تبوأت مرتبة متقدمة في عالم البتروكيماويات بفضل السياسات الواعية لـ "سابك" والدعم اللامحدود من الدولة، حيث يعرض جدول (1) مكانة المملكة المتقدمة بإنتاج الإيثيلين. طبعاً معظم الإيثيلين المنتج في المملكة مصدره غاز الإيثان، حيث تقل تكلفة الإنتاج مقارنة من إنتاج الإيثيلين من النافثا، والتي عادة ما تكون أسعارها مرتبطة مباشرة بأسعار النفط العالمية هبوطاً وصعوداً. والجدير بالذكر أن تكلفة إنتاج الإيثيلين من الإيثان أقل بأربع مرات من إنتاجه من النافثا. هذا ويستعمل 60 في المائة تقريبا من الإيثيلين المنتج لصناعة البولي الإيثيلين بأنواعه المختلفة، والباقي يذهب على صناعات متعددة أهمها صناعة الإيثيلين جلايكول والإيثيلين أوكسايد والستايرين.
لا شك أن الصناعات البتروكيماوية تمر بما يشبه الدورات صعوداً وهبوطاً، حيث يصعد الطلب على منتج ما (الإيثيلين مثلاً) في فترة زمنية معينة ما يؤدي إلى زيادة الأسعار، فيكون المنتج البتروكيماوي في أحسن حالاته، ثم يبدأ العرض بالزيادة وتبدأ بعدها الأسعار في الانخفاض تباعاً (انظر الشكل المقتبس من موقع أرقام www.argaam.com). وكدليل على ذلك فإن سعر طن الإيثيلين قد وصل إلى 1430 دولارا في آب (أغسطس) 2006م مسجلاً رقما قياسياً ما شجع الدول والشركات العالمية على زيادة طاقتها من الإيثيلين، فشهدت السنة الماضية الكثير من الإعلانات على إنشاء توسعات وشركات كثيرة. وفى هذا الإطار فإن الصين سترفع قدرتها الإنتاجية من الإيثيلين بعمل عدة شركات عالمية، ومن ضمنها إنشاء مجمع فوجيان البتروكيماوي بالشراكة مع "أرامكو السعودية" و"إكسون موبيل"، ودول الخليج ترفع قدرتها أيضا، فالمملكة تمضي قدماً إلى رفع إنتاجها من الإيثيلين إلى 17 مليون طن سنوياً، وقطر قد تزيد طاقتها من الإيثيلين إلى 2.8 مليون طن سنويا، وإيران إلى ثمانية ملايين طن سنوياً. لكن تبقى المواد البتروكيماوية مثلها مثل أي سلعة أخرى إذا كثر عرضها في الأسواق قل سعرها.
إن وجود هذه المشاريع الضخمة لزيادة الإنتاج العالمي للإيثيلين لن يساعد على رفع الأسعار أو دعمها، خاصة أن أسواق الاستهلاك تعلم بالكميات الكبيرة التي ستنتج قريبا، وعليه فإن أسعار الإيثيلين في انخفاض مستمر وهو الآن عند نحو 900 دولار للطن، أي انخفض من 1430 دولارا بنسبة انخفاض 40 في المائة من أعلى سعر في أقل من سنتين، رغم تماسك أسعار النفط كما هو مبين بالشكل. من أجل ذلك يرى المراقبون المختصون في الصناعات البتروكيماوية أهمية توقيت الدخول في هذه الصناعة، فمثلاً من الحكمة البدء في إنشاء المصانع والبناء عندما تكون الأسعار منخفضة، ومحاولة توقيت وقت الإنتاج والبيع عندما ترتفع الأسعار، ما يساعد على زيادة العائد على الاستثمار.
مع التغيرات العالمية في أماكن استهلاك الإيثيلين (كدخول الصين بقوة على الخريطة العالمية) والتغيرات في أسعار الإيثيلين، بات واضحاً أن مناطق إنتاج الإيثيلين في تغير مستمر، فمنذ ثمانينات القرن الماضي بقيت أمريكا وأوروبا الغربية واليابان متربعة على عرش إنتاج الإيثيلين، حيث إن نحو 90 في المائة من إنتاج الإيثيلين كان من هذه الدول، ولكن في الـ 15 عاما الماضية بدأت المنطقة تشهد تغيراً تاريخياً في صناعة الإيثيلين، حيث بقيت صناعته في أمريكا وأوروبا واليابان دون تغير، بحيث حافظتا على كميات إنتاجهما دون زيادة تذكر، ولكن معظم النمو في إنتاجه من التسعينيات في القرن الماضي وإلى 2012م من المتوقع أن يأتي من منطقة الشرق الأوسط أو منطقة الخليج تحديداً والصين، وهذا ما جعل نسبة إنتاج كل من أمريكا وأوروبا في انخفاض مستمر لصالح دول الشرق الأوسط والصين.
بالنسبة للصين فطلبها على الإيثيلين في تزايد مستمر، ونمو الطلب في الصين تجاوز ضعف نمو الطلب العالمي. فمثلاً تبلغ نسبة النمو السنوية على الطلب على الإيثيلين في العالم 4 إلى 5 في المائة، وأما نسبة النمو السنوية في الصين فقد تعدت 10 في المائة. وعليه فإن الصين استهلكت عام 2005م نحو 19 مليون طن من الإيثيلين تم إنتاج نحو النصف فقط محلياً وتم استيراد الباقي. وبحسب بعض المصادر المطلعة فإنه من المتوقع أن يزداد الطلب على الإيثيلين في الصين ليصل إلى 27 مليون طن عام 2010، و37 مليون طن عام 2015م.
طبعاً لا يفوتنا ذكر أن الطاقة الإنتاجية في الصين في نمو مستمر، وهناك الكثير من الشراكات بين كل من الشركات الصينية مثل صينوبك وبتروتشاينا (Petrochina)، وشركات عالمية مثل "إكسون موبيل"، "شل"، "باسف"، و"أرامكو السعودية"، وتم الإعلان في الفترة الأخيرة عن تعاون صناعي بقيمة مليار دولار ما بين "صينوبك" وشركة سابك. وتبقى ميزة الصين بكونها من أكبر الأسواق العالمية للمنتجات البتروكيماوية، ما يغري الشركات الكبرى بالقرب منها، إضافة إلى عامل رئيس وهو توفر الأيدي العاملة المدربة بأرخص الأثمان.
أما بالنسبة لدول الخليج وإيران، فبحسب الجدول أصبح الميزان يميل إلى مصلحة هذه الدول في إنتاج الإيثيلين على حساب أمريكا وأوروبا، وذلك لأنها تمتلك الكثير من مقومات نجاح صناعاتها البتروكيماوية والتي من أهمها:
* وجود كميات تجارية من النفط والغاز، ما أدى إلى حصول الشركات الخليجية على لقيم بأسعار تشجيعية مقارنة بمثيلاتها من دول العالم الأخرى، خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط إلى حدود 70 دولار للبرميل.
* الموقع الاستراتيجي القريب من أسواق آسيا (الصين) وأوروبا.
* إنشاء مصانع الإيثيلين ذات الطاقة الإنتاجية العالية، ما يزيد الربحية، فمعظم وحدات تكسير الإيثان البخارية الجديدة في منطقة الخليج تملك طاقة أعلى من مليون طن سنوياً. والجدير بالذكر أن هذه الطاقة في تزايد مستمر وبدأت تلقى أهمية كبرى في الآونة الأخيرة، لأنه كلما زادت طاقة مصنع إنتاج الإيثيلين قلت التكلفة وذلك بتقليل كمية الطاقة اللازمة لإنتاج الطن واليد العاملة، ما يزيد في ربحية الطن الإجمالية.
في الختام يبدو أن الدول الخليجية، وعلى الأخص المملكة، ماضية قدماً في الصناعات البتروكيماوية، وبدأت في استلام مكانة دول ذات تاريخ عريق في التقنيات البتروكيماوية.
أعتقد أن الغرب واع جيداً لما يحصل في دول الخليج العربية وإيران والصين، ولذلك فهو على الأرجح في وضع المترقب غبر المبتهج، لكن يبدو "ما باليد حيله" بدليل قدوم معظم النمو في إنتاج الإيثيلين من الخليج والصين. في المقابل وجهت الشركات الغربية الكبرى كل طاقاتها إلى السعي في الدخول في شركات استراتيجية مع هذه الدول من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد ركزت أيضا إلى إنتاج المواد الشديدة التخصص التي تستخدم في المجال الطبي وفي صناعة الأجهزة الكهربائية. ميزة هذه المواد البتروكيماوية المتخصصة أنها تنتج بكميات قليلة ربما لا تتجاوز عشرة آلاف طن سنوياً، ولكن سعر الطن قد يتعدى 50 ألف دولار، وبهذا فإن الإنتاج لا يحتاج إلى كميات كبيرة من اللقيم (وجود اللقيم الرخيص يعتبر نقطة لصالح دول الخليج) ولا لأيدي عاملة كثيرة (وجود الأيدي العاملة المدربة والرخيصة يعتبر نقطة لصالح الصين والدول الآسيوية)، وبهذا وبالتقنية فقط تكون الشركات الغربية الكبرى قد ضمنت مكانها ولن تعطي تقنياتها الجديدة لأحد إلا بالشراكة التي ترتضيها.

[email protected]

الأكثر قراءة