احتياطي النفط بين 4 و40
من الناحية الشكلية البحتة فإن الفرق بين الرقمين (4) و(40) يتمثل في صفر إلى يمين الثانية، لكنه في الحساب العملي يصل إلى عشرة أضعاف الأول، لكن الأمر أكثر من جدل رقمي إذ يتعلق بالتقديرات حول حجم الاحتياطي النفطي العالمي.
الجدل قديم متكرر، وهذه المرة جاءت الأرقام التي نشرتها شركة "بي. بي" في كتابها الإحصائي السنوي اتساقا مع نهجها المستمر منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، لتثير جماعة ذروة النفط الذين يعتقدون أن العالم وصل إلى الذروة فيما يتعلق بالاكتشافات النفطية، وأنه يتجه إلى فترة من التراجع السريع والحاد بعد ذلك، الأمر الذي ينبغي الاستعداد له، تماما مثلما هو الحال مع نظرية التغير المناخي، كما يقولون، التي عارضها كثيرون لفترات طويلة، لكنها تكاد تصبح واقعا الآن رغم عدم وجود أدلة قطعية حول مدى تأثير الصناعة النفطية فيها.
اللافت في جدل نظرية ذروة النفط المتجدد أن أرقام "بي. بي" تتحدث عن أن الاحتياطيات الموجودة يمكن أن تلبي معدلات الاستهلاك الحالية لفترة 40 عاما، بينما يقول أصحاب نظرية النفط إن الوقت المتاح أربع سنوات فقط، يبدأ بعدها الانحدار.
السجل التاريخي لحجم الاحتياطيات الذي أوردته "بي. بي" يشير إلى نمو متصل في حجم الاحتياطيات من 667 مليار برميل في 1980 إلى 1.2 تريليون العام الماضي. وفي المقابل فإن حجم الاستهلاك شهد نموا متصلا من 61.7 مليون برميل في 1980، ثم إلى 59.3 مليون بعد ذلك بست سنوات، وهي الفترة التي شهدت انهيار الأسعار ومن أسبابها تضعضع الوضع الاقتصادي العالمي ومن ثم تراجع الاستهلاك، لكن السنوات التالية شهدت عودة النمو إلى 66.8 مليون برميل عام 1990، ثم إلى 76.2 في بداية هذا العقد عند عام 2000، وإلى أن بلغ حاليا نحو 85 مليون برميل. وكما تشير مختلف الأرقام فإن هناك حاجة إلى النمو في حجم الإمدادات لتصل إلى 113 مليون برميل في 2030 وفق مختلف التقديرات.
تفسير ذلك أن تحسن القدرات التقنية مثل انتشار تقنية صور المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد والأموال اللازمة لضخها في عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط، خاصة مع اعتماد صيغة قسمة الإنتاج التي تبدو محفزة للشركات للعمل، أسهمت هذه العوامل كلها في إيجاد مناطق إنتاج نفط جديدة على الخارطة لم تكن معروفة من قبل، وهو ما يتمثل في الحجم المتصاعد للإنتاج من القارة الإفريقية.
ودون الجدل حول مدى صدقية نظرية ذروة النفط واعتمادها من عدمه، إلا أن هذا لا يلغي حقيقة الحاجة إلى المزيد من الإمدادات تلبية للطلب المتصاعد من قبل المستهلكين، خاصة الدول الآسيوية وعلى رأسها الصين والهند، وكذلك الدول النامية عموما التي تلجأ إلى المواد الهيدروكربونية أكثر من الدول المتقدمة التي لديها خيارات تتطلب تقنية أفضل وموارد للاستثمار متاحة لها، وهو ما يتضح في الاتجاه إلى بعث صناعة الوقود النووي مرة أخرى بعد التخوفات التي لازمتها طوال عقدي السبعينيات والثمانينيات بسبب بعض حوادث التسرب وأشهرها ثري مايل آيلاند الأمريكية وتشيرنوبل الروسية.
وإذا كان نضوب الاحتياطيات النفطية يبدو قضية أكاديمية تهم مجموعة من الباحثين، بينما الصناعة عموما في جانبها التجاري الممثل في الشركات والرسمي الممثل في الحكومات يتبنى موقفا مغايرا كليا، رغم اهتمامها بقضايا الطاقة المتجددة، حتى أن "بي. بي" نفسها وفي خطوة ذكية غيرت اسمها إلى "ما وراء البترول"، وهو ما مكنها من الاحتفاظ بالحرفين الأولين باللغة الإنجليزية، إذ يتكرران في كل من "بريتش بتروليوم" و"ما وراء البترول".
إن تلبية احتياجات الاستهلاك المتنامية يصبح هو القضية الأكثر حضورا على ساحة النقاش لما تتطلبه من إجراءات عملية فيما يتعلق بزيادة الإنتاج، سواء من حقول قائمة أو أخرى جديدة بكل ما يتطلبه ذلك من عمليات تغطي كل السلسلة الإنتاجية من فوهة البئر إلى المستهلك، خاصة أن حجم المطلوب في تصاعد، إذ يصبح على الصناعة دول منتجة وشركات توفير 28 مليون برميل إضافية لمقابلة الطلب في 2030، وهو عبء ليس بالسهل حتى مع توافر الاحتياطيات، ولهذا بدأت الضغوط المتمثلة في عدم توافر العمالة المدربة الراغبة في اتخاذ ميدان صناعة النفط محورا لنشاطها المهني، وهو ما تمثل في عدم توافر أعداد كافية من المهندسين والجيولوجيين، وكذلك التأثير في تكلفة تشغيل الحفارات التي تضاعفت ثلاثة أضعاف في غضون بضع سنوات إلى 450 دولارا في اليوم في المتوسط.
هذه في حد ذاتها تمثل تحديات تحتاج إلى النهوض بها، وهو ما يحتاج بدوره إلى بيئة أكثر انسجاما، سواء بين المنتجين والمستهلكين أو بين أطراف الصناعة من دول وشركات.