الآليات الاقتصادية الكامنة وراء الحسابات المعلنة للمؤسسات المالية الإسلامية أكثر تعقيداً من مثيلاتها التقليدية
النهج الإيجابي: تشخيص
تنشط المؤسسات المالية الإسلامية بصورة رئيسية في الأسواق الناشئة التي تتسم عموماً بانخفاض مستوى الإفصاح المالي. فبموجب التشريعات السائدة في معظم الأسواق الناشئة، فإن الالتزامات الخاصة بالإفصاح هي في حدها الأدنى ولا تقارن بمثيلاتها في الأسواق الأكثر نضجاً وغير الواقعة في الوسط. وفي ضوء محدودية الضغط من مجتمع المستثمرين، تميل المؤسسات المالية الإسلامية إلى تضمين قدر محدود من المعلومات خارج نطاق الحد الأدنى الإلزامي من البيانات والشروحات النوعية في الملاحظات التي ترفق مع التقارير المالية. وهذا يعد مشكلة أكبر بالنسبة لهذه المؤسسات، لأن الآليات الاقتصادية الكامنة وراء حساباتها المعلنة قد تكون على قدر أقل من الرسمية، وعلى قدر أكبر من التعقيد من تلك الخاصة بمثيلاتها التقليدية، ويمكن أن تستفيد من مزيد من الشرح والإيضاح والتفصيل.
إن العديد من المعلومات الرئيسية لا يتم تضمينها في التقارير السنوية التي يجري نشرها. فعلى سبيل المثال، لم يكشف عدد من البنوك الإسلامية كبيت التمويل الكويتي عن الأرقام الخاصة بالموجودات غير العاملة، وعن نسب الكفاية المالية، أو عن التفاصيل المتعلقة بمحافظه الاستثمارية وخاصة في مجال العقارات. زد على ذلك أن اللغة التي تستخدمها البنوك الإسلامية في تقاريرها المالية تكون مربكة أحياناً للجهات الخارجية ولغير المختصين. وكمثال على ذلك، يكشف "الراجحي" تحت بند الاستثمارات عن خط يدعى "متاجرة"، وهذا قد يكون مضللاً لأنه قد يبدو شبيهاً بالقرض, في حين أن وضعه في البنك المركزي هو وضع محفظة ذات دخل ثابت لأغراض السيولة.
يتعلق الإفصاح بتزويد المستثمرين بأكبر قدر ممكن من المعلومات العامة ذات النوعية العالية، أكثر مما يتعلق بمجرد الالتزام بالمعايير الدنيا للتقارير.
ولم تصل غالبية البنوك الإسلامية إلى المستوى الذي تقدم فيه المعلومات العامة الواردة في التقارير الإدارية وفي الملاحظات المرفقة بالتقارير المالية صورة واضحة وشفافة لديناميكيات عملها. إن تعزيز الإفصاح والشفافية من شأنه أن يخفض تكاليف دخول المحللين الخارجيين إلى عالم التمويل الإسلامي، ومن شأنه أن يجعل هذه الصناعة برمتها أكبر إتاحة وشفافية, وبالتالي أكثر جذباً للمستثمرين. فكلما كان الإفصاح أكثر في التقارير العامة، كانت الفائدة أكبر. وهناك قليل من العوائق أمام الإفصاح لأن كثيراً من المعلومات التي يتم الإفصاح عنها ليست حساسة بذاتها. فهي تشتمل على تفاصيل عن نوعية الموجودات وعن مشاريع تحليل الفقر وأثره الاجتماعي، وعن حالات الانكشاف في الأسواق العقارية والأسواق المالية، وعن البيانات المعززة حول نسب الكفاية المالية، وعن البنود غير الواردة في الميزانيات العمومية. وإن هذه الأرقام غير حساسة ويتم الإفصاح عنها بشكل واسع في الأسواق الأكثر نضجاً. ويمكن التقليل من أهمية عدم الإفصاح عن المعلومات الحساسة عبر التوسع في استخدام الأطراف الأخرى كوكالات التصنيف. ولهذا القول تقليد طويل في المطبوعات العلمية. وهو يعد وكالات التصنيف آليات لإعطاء المؤشرات إلى الأسواق التي تعد فيها المعلومات الأساسية ذات طبيعة خاصة وحساسة. ويتأتى هذا من مركز وكالات التصنيف بحسبها جهات لا مصلحة لها تزود الأسواق بتحليل كمي ونوعي عن كيان ما، مع توفير إمكانية الوصول إلى المعلومات الخاصة والإدارة الرئيسية. وكجزء من اتفاقية التصنيف، لا يتم الكشف عن المعلومات الحساسة لعامة الناس أبداً. على أنه، بقدر ما تؤثر هذه المعلومات في تقييم السوق الجدارة الائتمانية لمؤسسة ما، فإن التصنيف الائتماني الذي يقدم للأسواق يقلل من أهمية عدم الإفصاح لأنه يتضمن ذلك الأثر دون الكشف عن المعلومات نفسها.
النهج المعياري: توصيات
ينبغي على المؤسسات المالية الإسلامية أن تتيح تقاريرها المالية للعموم، إلى جانب قيامها بتعريف المصطلحات المحددة الخاصة بالمصرفية الإسلامية. وطالما بقي نظام التمويل الإسلامي على حواشي النشاط المالي السائد، يجب على المؤسسات المالية الإسلامية أن تسعى لزيادة الوضوح، وهي ناحية مهمة من نواحي الشفافية المالية. وهناك حاجة لأن ترفق المصطلحات التي تستخدم على نطاق واسع في نظام التمويل الإسلامي، كالمضاربة، أو الإجارة، أو المضاربة أو المشاركة بتعريفات أساسية فقط, لأن هناك انكشافاً متزايداً لهذه الأفكار من خلال مختلف المصادر البديلة للمعلومات. ومع أن أفكاراً أكثر غموضاً كالمساهمة، أو المتاجرة، أو التورق أو التكافل قد تكون مألوفة لدى المساهمين الناطقين بالعربية، إلا أنها تظل غير معروفة لدى السواد الأعظم من غير المختصين. ومن أجل التوسع في فهم النظام المصرفي والتمويلي الإسلامي، ينبغي إعطاء شرح واف ومفصل لهذه المصطلحات.
وقبل الشروع في حملات الترويج والتوعية، فإن توعية السوق بنظام التمويل الإسلامي تبدأ بالاقتراب من الممارسة العالمية الأفضل على صعيد الإفصاح. وأفضل سبيل للمباشرة في ذلك هو وضع معايير لممارسات الإفصاح في المؤسسات المالية الإسلامية تكون معلماً يهتدى به، على ألا تكون في مقابل المعايير المعمول بها لدى نظرائها التقليديين الإقليميين، بل مقابل ما هو معمول به لدى أفضل المصدرين في العالم. إن الطموحات الخاصة بوضع معايير يهتدى بها يجب أن تكون عالية لأنها تسهم في تعزيز إحدى النواحي المهمة لحوكمة الشركات، ألا وهي المساءلة. وهذا يعني أن تعكس التقارير المالية المنشورة أكبر قدر ممكن من الأمور الاقتصادية الخاصة بالمؤسسة وذلك عبر التواصل الشفاف، والمتسق والشامل والمفصل والنزيه والعادل مع العالم الخارجي.
إن القدر الأكبر من الشفافية والمبادئ المحاسبية الموحدة تشكلان العاملان الرئيسيين لتعزيز الممارسات الخاصة بوضع التقارير المالية واللازمة لكي يحقق نظام التمويل الإسلامي الاعتراف الذي يسعى إليه منذ ما يربو على ثلاثة عقود. ففي العقد الأول، ظهرت الفلسفة العامة لنظام التمويل الإسلامي: مبادئه ومنهجياته، وقواعده ومنتجاته. وتلا ذلك النمو والتوسع في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، وأثبت هذا القطاع قدرته على استيعاب الصدمات والتكيف معها. وفي السنوات القليلة الماضية خرج من مهده كنموذج معقول ثابت وكبديل للتمويل الربوي.
ومع استمراره في النضج، تقع على المؤسسات المالية الإسلامية مسؤولية العمل على نحو منسق وثابت، رغم الاختلافات الأخرى والثابتة الموجودة في العالم الإسلامي. إن التوسع يعني بيع النموذج الإسلامي إلى السوق العالمية، وهذه ليست بالمهمة السهلة، ولكن ما دام هناك طلب على هذا النموذج، يجب على المؤسسات المالية الإسلامية أن تكافح لتوعية الأسواق بأنشطتها.
محللان ائتمان في "ستاندرد آند بورز"