كيف نحمي أموال المودعين في النظام المالي الإسلامي؟

كيف نحمي أموال المودعين في النظام المالي الإسلامي؟

إن الحفاظ على الاستقرار المالي في الأنظمة المالية الإسلامية لا يقتصر على الإطار التنظيمي والرقابي، وإنما يتجاوزه إلى إنشاء نظام توسط مالي يتمتع بالنشاط والقوة والمرونة، ويمتلك الكفاءة والقدرة التنافسية، وقادر على المساهمة في عملية النمو. ولكن ما هي العلاقة التعاقدية متعددة الأطراف داخل المؤسسات المصرفية الإسلامية؟ يجب أن يتألف الإطار الرقابي القوي من عناصر مهمة، هي المعايير الرأسمالية السليمة، وممارسات إدارة المخاطر ذات الكفاءة، ومتانة الإدارة الرشيدة. وعند بناء إطار رقابي سليم وحصيف للمصرفية الإسلامية، فإن الموازاة بين المتطلبات الرأسمالية التنظيمية والمخاطر التي تقوم عليها الاستثمارات يتطلب الفصل الثنائي بين الجوانب المعقدة في المخاطرة داخل محفظة الموجودات الإسلامية.
وبالمثل، فإن هيكل المطلوبات في البنوك الإسلامية يتميز بوجود فئتين منفصلتين من الودائع: الفئة الأولى هي ودائع الطلب، وهي غير خاضعة للمخاطر المرتبطة بالعمليات البنكية، والتي يعد رأس المال بالنسبة إليها مضموناً. والفئة الثانية هي الودائع الاستثمارية، والتي تتضمن قدراً من المخاطر وبالتالي قابلة لاقتسام الأرباح المتحققة من العمليات البنكية.
وبالنظر إلى هذا الهيكل الذي يميز المطلوبات في المؤسسات المصرفية الإسلامية، فإن تصميم الإطار الرقابي للمصرفية الإسلامية بحاجة إلى التأكيد على ضرورة الإفصاح المالي التام، والإدارة الحصيفة للمخاطر، والتمسك بأحكام الشريعة الإسلامية. وستعمل هذه الأمور على إنشاء جدار واق يحول دون نقل المخاطر من الودائع الاستثمارية إلى ودائع الطلب، مما يعزز الشفافية، وحماية أموال المودعين، واستقرار النظام المالي.
وهناك تحد تنظيمي آخر ينشأ من هيكل المطلوبات داخل المؤسسة المصرفية الإسلامية وتحديد معدل معياري للعوائد بالنسبة لأصحاب الحسابات. وبخلاف العمليات البنكية التقليدية حيث تكون العوائد محددة سلفاً، فإن المودعين في المؤسسات الإسلامية على أساس اقتسام الأرباح يعلمون مقدار العوائد المتحصلة عند فترة استحقاق الودائع. وتخضع هذه العوائد للإيرادات على الموجودات، وهي الإيرادات التي يتم اقتسامها بين المؤسسات المصرفية الإسلامية وأصحاب الودائع التي أودعت على أساس اقتسام الأرباح. وفي حالة الخسارة فإن المودع، باعتباره مزود رأس المال، سيتحمل الخسائر. وحيث إن الودائع في المصرفية الإسلامية هي في معظمها على شكل إيداعات على أساس اقتسام الأرباح، فإن ذلك يضع قدراً أكبر من المخاطر الائتمانية على الإدارة حتى تضمن أن الأموال تتم إدارتها على الوجه الأمثل.
وبالتالي، فإن الجهات التنظيمية والرقابية بحاجة إلى وضع إطار فعال للعائد على الاستثمار بهدف تأمين منهجية ثابتة لاحتساب العوائد على الاستثمار بالنسبة للمودعين. وعلى الدرجة نفسها من الأهمية، تحتاج هذه الجهات كذلك إلى التعامل مع عدم التوازي في المعلومات بين المؤسسات المصرفية الإسلامية وبين المودعين، وذلك عن طريق تعزيز مستوى الشفافية وضمان أن يتلقى المودعون العوائد المنصفة على استثماراتهم. وضمن السياق التنظيمي، سيؤمن الإطار المذكور سبيلاً لتقييم كفاءة المؤسسات المصرفية الإسلامية وكذلك مدى ربحيتها وحصافة إدارتها ودرجة الإنصاف لديها.
وفي هذا السياق أدخلت ماليزيا "صندوق احتياطي التكافؤ في الأرباح" على إطار معدل العوائد. وحتى يتم توليد معدلات عوائد تنافسية ومستقرة، يعمل "صندوق احتياطي التكافؤ في الأرباح" على شكل آلية تقوم بتخفيف التقلبات في العوائد المذكورة الناتجة بفعل تدفق الدخل والتخصيص وإجمالي الودائع. وتقتطع مبالغ هذا الصندوق الاحتياطي من الدخل الإجمالي الكلي، ويتم اقتسامها من قبل المودعين والمؤسسة المصرفية. وفي ظل بيئة بنكية مزدوجة، فإن القدرة على تعظيم "العوائد الموازَنة بالمخاطر" على الاستثمارات، والمحافظة على عوائد مستقرة وتنافسية تعد عنصراً مهماً في تطوير نظام مصرفي إسلامي تنافسي.

الخلاصة
إن التحدي لتطوير معايير تنظيمية تظل ملتزمة بالمبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية عنصر مهم في تطوير ونمو صناعة الخدمات المالية الإسلامية. وإن تطوير نظام مالي إسلامي قادر على المساهمة نحو الاستقرار والنمو العالمي المتوازن بحاجة إلى أن يتحقق ضمن سياق وجود نظام متين وقوي من الإطارات القانونية والرقابية والتنظيمية. ويتم تعزيز ذلك من خلال الإشراف الفعال، ووجود إطار شرعي قوي، ونظام قضائي فعال يعمل على تعزيز الثقة والسلامة والمتانة في النظام المالي الإسلامي. وحين يتوافر الالتزام والجهود المخلصة من قبل الجهات الرقابية والصناعة وأهل السوق، يمكن حينئذ تحقيق الأهداف المرجوة.

* محافظة البنك المركزي الماليزي

الأكثر قراءة