برنامج مساكن لم يساهم في حل المشكلة الإسكانية بل ضاعفها
الأثر الموازي لتحقيق الأهداف ذلك المفهوم الغائب لدى معظم مديري الدول النامية، مفهوم حاضر عند المدير الغربي حيث دائما ما يكون السؤال ما الأثر الموازي لتحقيق الأهداف المنشودة؟ هل هو أثر إيجابي أم سلبي في البيئة الاستثمارية وفي بقية الأطراف ذوي الصلة بالنشاط التي تعمل في السوق؟ فإذا كان سلبيا بدأ البحث عن آليات أخرى ذات أثر إيجابي إضافة لتحقيقها الأهداف المنشودة.
منذ البداية انبرى بعض الكتاب لإيضاح الآثار السلبية الموازية لتطبيق برنامج مساكن من قبل المؤسسة العامة للتقاعد، وأعرف أن المحافظ التقى أحدهم وحاوره كما صرح بذلك الكاتب في إحدى الصحف المحلية وأن المحافظ لم يستطع إقناع الكاتب برأيه بأن مشروع مساكن سيحقق الأهداف دون آثار موازية سلبية في بيئة التمويل الإسكاني، الذي يعتبر حجر العثرة في القضية الإسكانية في بلادنا، ولقد تساءلت أنا أيضا عن كيفية تصكيك القروض من قبل مؤسسة تشكل كتلة مالية كبيرة قائمة على أموال المتقاعدين (لا مالكة لها) يفترض أن تكون هي من يشتري مثل هذه الصكوك قليلة المخاطر التي يمكن أن تحقق أرباحا معقولة ومستمرة تسهم في تنمية أموال المتقاعدين دون خطر ضياعها، ولم أجد إجابة البتة.
من الواضح أن المؤسسة العامة للتقاعد تقدمت بهذا المشروع تحت ضغط ما على اعتبار أنه ليس من المعقول أن تنزلق مؤسسة مثل المؤسسة العامة للتقاعد لتلعب دور بائع تجزئة وهي المؤسسة التي يجب أن تكون استثماراتها غير مباشرة لكي تتفرغ لأعمالها الرئيسية التي أنشئت من أجلها وهي خدمة ورعاية مصالح المتقاعدين، نعم كلنا يعلم أن المؤسسات المشابهة للمؤسسة العامة للتقاعد يجب ألا تدخل باستثمارات مباشرة بأي حال من الأحوال ومهما كانت الأسباب ومهما كانت الفرصة الاستثمارية المتاحة مغرية لأنها قائمة وليست مالكة لأموال المتقاعدين أولا، ولأن الغرم مربوط بالغنم، فكلما زادت نسبة الأرباح زادت نسبة المخاطرة، والمؤسسة غير مخولة بتعريض أموال المتقاعدين للخطر.
ورغم ذلك قامت المؤسسة العامة للتقاعد بالاستثمار في مشروع مساكن وهي غير المؤهلة لذلك، ذلك أن التمويل الإسكاني مهنة تخصصية لها مؤسساتها ولها تنظيماتها، فماذا كانت النتيجة؟ أولا سيادة جو من الإحباط لدى المواطنين العاملين في القطاع الحكومي لظنهم أن المشروع حكومي تنموي مشابه لمشروع صندوق التنمية العقاري، وهذا ما أظهرته المؤسسة في البداية بقصد أو غير قصد، لا أعلم، وثانيا، آثار سلبية موازية حيث ساهم الإعلان قبل وضع الشروط في ارتفاع مضاعف لأسعار الأراضي والمساكن ظنا من العقاريين والمواطنين أن الطلب سيتضاعف على ما هو متاح من مساكن وهو قليل لغياب الشركات المطورة العملاقة، أما ثالثا فتمثل بتشكل إحباط كبير عند من يرغب في الاستثمار في سوق التمويل الإسكاني الناشئ حيث لا يأمن من يستثمر في هذا القطاع من دخول غول كبير بهذا الحجم منافسا، بل ومعلنا للمنافسة حيث بين غير مرة أن البرنامج يعمل على حماية المواطن من استغلال القطاع الخاص له في مجال التمويل الإسكاني.
النتيجة شبه النهائية لهذا البرنامج زيادة في الأسعار ساهمت في ارتفاع معدلات التضخم وضياع أمل المتقاعد أو المنتسب لبرنامج مؤسسة التأمينات في الحصول على المسكن المناسب لصعوبة الشروط ولارتفاع الأسعار، وتراجع من قبل الراغبين في الاستثمار في قطاع التمويل الإسكاني، بمعنى أن الهدف لم يتحقق بل ما تحقق الأثر السلبي الموازي في السوق الإسكانية وفي سوق التمويل الإسكانية، وهي آثار تحتاج لسنين طويلة لمعالجتها، فكلنا يعلم أن أسعار العقارات إذا ارتفعت فمن الصعوبة بمكان تراجعها إلى ما كانت عليه، والخط البياني لارتفاع أسعار العقارات خلال الثلاثين سنة الماضية يثبت ذلك.
ما الحل إذن؟ أعتقد أن الحل يتمثل في عودة المؤسسة العامة للتقاعد إلى الحق باعترافها بفشل البرنامج أولا، وبطرحها برنامجا آخر يتمثل في شراء الصكوك التي ستصدرها شركات التطوير الإسكاني وشركات التمويل الإسكاني، وهو ما سيعزز إمكانيات شركات التطوير الإسكاني لإنتاج أعداد كبيرة من الوحدات السكنية المتنوعة (شقق، دبلكسات، وفلل) لموازنة المعروض والمطلوب لتهدئة الأسعار، كما سيعزز من قدرات شركات التمويل الإسكاني للتوسع في التمويل الإسكاني لتمكن المواطن أيا كان من شراء المسكن الملائم في الوقت المناسب بضمان دخله الشهري، كلي ثقة أن إعلان إيقاف هذا البرنامج وطرح البديل سيساهم في إيقاف الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات.