رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سوقنا المالية محرقة شركاتنا

[email protected]

هل يمكن أن يعتقد مؤسس في إحدى شركات التأمين التي أدرجت حديثا في سوقنا المالية أن يحقق أرباحا من أداء الشركة المالي نتيجة أنشطتها التأمينية تعادل حتى جزء يسير من المكاسب الرأسمالية التي حققها بمجرد إدراج سهمها في سوقنا المالية، بعد أن وصلت أسعار أسهم عدد منها إلى ما يزيد على عشرة أضعاف قيمة اكتتابها؟ الإجابة بكل تأكيد هي لا، فضخامة عدد شركات التأمين التي تم الترخيص حتى الآن لها، والعدد الإضافي من الشركات المتوقع الترخيص لها قريبا، وصغر حجم رأسمال معظم هذه الشركات مقارنة بحجم رأس المال الملائم للعمل في هذا القطاع عالي المخاطر الذي قد تجبر عددا منها للخروج من سوق التأمين قريبا، يؤكد أن الأداء المالي لهذه الشركات لن يكون إيجابيا بما يبرر أسعارها المتضخمة، وأن هذه المبالغة غير المعقولة في تقييم أسهم هذه الشركات ناتج فقط عن محدودية عدد أسهمها المطروحة للتداول، ما مكن المتلاعبين في السوق من التحكم في أسعارها ورفعها إلى قيم خيالية غير مقبولة، من ثم فحتى أكثر حملة أسهمها إيمانا بمستقبلها لا يمكن أن يتوقع أن يواكب أداؤها المالي سعر أسهمها في السوق حاليا، وقد يجد من مصلحته استغلال هذا التقييم المبالغ فيه وتصريف ما يملك من أسهم بأي وسيلة متاحة قبل تراجع أسعارها.
أيضا الشركات المدرجة بعلاوة إصدار، ورغم المبالغة الشديدة في هذه العلاوة، فإن محدودية عدد أسهمها هي الأخرى مكنت المتلاعبون في السوق، بتواطؤ مع مؤسسيها في بعض الأحيان، من رفع أسهمها إلى قيم تفوق كثيرا حتى سعر اكتتابها المبالغ فيه أصلا. وأمام الانتقادات الواسعة لدور هيئة السوق المالية السلبي في ضمان تقييم علاوات الإصدار بصورة عادلة، لجأت الهيئة إلى ما يسمى بأسلوب بناء الأوامر بدعوى أن هذه الطريقة توفر وسيلة عادلة لتقييم علاوات الإصدار، بينما الواقع عكس ذلك تماما. فوفقا لهذه الطريقة فإن المستشار المالي للشركة الراغبة في الإدراج هو من يحدد علاوة الإصدار، ونجاحه في أداء مهمته من وجهة نظر مالكي الشركة تعتمد على حجم علاوة الإصدار الذي يستطيع تمريرها، وهي مهمة زادت سهولة بتطبيق طريقة بناء الأوامر، فكل ما عليه الآن لكي ينجح في تمرير أي علاوة إصدار يرغب فيها هو إقناع عدد من الصناديق الاستثمارية لتقديم عروض شراء لأسهم تلك الشركة بهامش تذبذب لا يتعدى 10 في المائة فقط من قيمة علاوة الإصدار التي يقترحها. وحيث إن الصناديق الاستثمارية غير معنية على الإطلاق بحقيقة الأداء المالي للشركات الراغبة في الإدراج، وكل ما يعنيها هو عدد الأسهم المطروحة التي ستحدد سعر سهم الشركة عند التداول، فإن هذه الصناديق مستعدة للقبول أي علاوة إصدار ومهما كانت مبالغ فيها طالما أن عدد الأسهم المطروحة محدود. والارتفاع الكبير في أسعار أسهم شركات أدرجت أخيرا بعلاوات إصدار يعلم الجميع أنه مبالغ فيها، حققت للصناديق أرباحا كبيرة، وأثبتت أن سلوك الصناديق الاستثمارية في هذا الشأن لا يختلف على الإطلاق عن سلوك صغار المكتتبين الذين لا يعيرون حقيقة الأداء المالي للشركات الراغبة في الإدراج أي اهتمام وهم فقط معنيون بقدرتهم على البيع في اليوم الأول من التداول بسعر يفوق سعر الاكتتاب. ما يؤكد أن طريقة بناء الأوامر غير مناسبة على الإطلاق في سوقنا المالية، وأنها في الواقع أسهمت في مفاقمة مشكلة المبالغة في علاوة الإصدار، والهيئة برميها كرة علاوة الإصدار في مرمى صناديق سهلت على المتلاعبين مهمتهم في تضخيم الأداء المالي للشركات، وفاقمت من مشكلة تردي الثقة في السوق وزادت من حدة المضاربات لا أكثر.
إن غياب أي قدرة لسوقنا المالية على تقييم الشركات المدرجة وفق أدائها المالي، جعل إدراجها سببا في إضعاف قدرتها على الاستمرار والنجاح، وأصبحت هذه السوق بمثابة محرقة لشركات كانت تملك مقومات كافية للبقاء والنمو خارج السوق، إلا أنها بدخولها فيه، وبسبب المبالغة الشديدة في تقييمها، ضعفت قناعة حملة أسهمها بجدوى الاحتفاظ بها، فالمكاسب الرأسمالية من بيع أسهمها أكبر بكثير من أي عوائد يمكن توقعها من أدائها المالي، ليصبح بالتالي معظم حملة أسهمها مضاربين غير مهتمين ولا معنيين بحقيقة أدائها، ما يضعف رقابة المساهمين على تلك الشركات ويحد من إمكانية نجاحها، لذا وبدلا من تعمق سوقنا المالية وزيادة كفاءتها من خلال هذه الإدراجات، كل ما حققناه زيادة عدد شركات المضاربة وبالتالي عدد الشركات المتعثرة، الأمر الذي يؤكد أنه لا مفر ولا بديل على الإطلاق عن قيام الهيئة بدورها الرقابي بكفاءة وفاعلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي