شركات التأمين: الفقاعة تخرج من الباب لتعود من الشباك!
يعتبر تموز (يوليو) الماضي شهر التوضيحات لهيئة السوق المالية من قبل شركات التأمين المدرجة حديثا في السوق المالية. فقد ابتدأ الشهر بإيضاح من شركة ساب تكافل عن عدم وجود معلومات أدت إلى الارتفاعات الكبيرة المتتالية لسعر السهم وتهم المساهمين، وبعد ذلك بأسبوعين في منتصف تموز (يوليو) تبعته شركة ملاذ للتأمين بإيضاح عدم وجود معلومات ذات أهمية تؤثر في سعر السهم بعد رحلة ماراثونية أخرى، وختمت "الدرع العربي للتأمين" الشهر بإيضاح عدم وجود معلومات جوهرية تبرر الارتفاع المتواصل لأسعار أسهمها. ومن المتوقع أن تقوم شركة أليانز إس إف للتأمين بتوفير توضيح في آب (أغسطس) أيضاً إذا استمر ارتفاع السهم غير المبرر! يبرز هنا تساؤل، لماذا شهدت إدراجات شركات التأمين الحديثة ارتفاعات في أسعارها تشير إلى نشاطات مضاربة محمومة لدرجة قيام هيئة السوق المالية بطلب التوضيح منها الواحدة تلو الأخرى؟ أليس من الأجدى طرح التساؤل عن الارتفاعات المتوقعة في وقت طرح نشرة الإصدار نفسها إن كان مصير تحركات أسهم أطروحات كهذه متوقعاً من قبل؟
فمن نافلة القول، إن طرح المزيد من الشركات للتداول يسهم في زيادة عمق وتنوع السوق المالية على المديين المتوسط والطويل، ما يؤدي إلى رفع جاذبيتها وتنافسيتها المحلية مع صيغ التمويل الأخرى كالقروض المصرفية المقدمة من قبل البنوك، وتنافسيتها الإقليمية مع أسواق المال في الدول المحيطة سواء أكانت تسهيلات بنكية أو من خلال تمويل أسواق المال المجاورة. فالفيصل يجب أن يكون الوصول إلى الأهداف الاقتصادية الكلية للمملكة من خلال تحقيق توازن بين الطروحات الأولية ومدى استفادة الاقتصاد الوطني منها وتحقيق الأهداف الاقتصادية الكلية، دون الإخلال بقوى السوق والرؤية لمكانة الاقتصاد السعودي في السنوات المقبلة.
وبالعودة إلى إدراجات أسهم شركات التأمين التي شهدت ارتفاعات في أسعار أسهمها، ما حدا بهيئة السوق المالية لدبج التساؤل عقب الآخر وانتظار رد الشركات المؤسسة حديثاً بعدم وجود معلومات جوهرية، تبرز العديد من علامات الاستفهام مرة أخرى. إن شركات التأمين الثلاث التي تم طلب الإيضاح منها تشمل "ساب تكافل" المؤسسة برأسمال بلغ 100 مليون ريال طرح منها 35 في المائة للتداول، شركة ملاذ للتأمين المؤسسة برأسمال بلغ 300 مليون ريال طرح منها 47.5، وشركة الدرع العربي للتأمين برأسمال بلغ 200 مليون ريال وطرح منها 40 في المائة للاكتتاب العام. أما شركات التأمين الأخرى كإليانز إس إف التي سارت على خطى "ساب تكافل" وتفوقت عليها في الارتفاع المحموم غير المبرر، وغيرها كشركة سلامة، "ولاء للتأمين"، و"سند" والتي لم يتم مخاطبتها لحد الآن لعدم تحرك أسعار أسهمها بنسب غير معقولة على الرغم من صغر حجم رأس المال المستثمر والكمية المطروحة للاكتتاب العام فهي في الطريق لأن تقوم بنسخ ولصق جواب الشركات السابقة للتساؤلات المتوقعة من قبل الهيئة.
يكمن السبب الرئيسي في تحول أسهم شركات التأمين المطروحة حديثاً إلى أسهم مضاربة في الدرجة الأولى إلى قلة عدد الأسهم المطروحة وصغر حجم رأسمال هذه الشركات عموماً، كما أبان ذلك الزميل عبد الحميد العمري في تحليل دقيق ومحكم يوم الاثنين الماضي، حيث وصف عدد أسهم شركات التأمين المصدرة أنها "لم تتجاوز حصتها من مجموع الأسهم المصدرة التي أدرجت إلى الآن والمتوقع إدراجها قبل نهاية هذا العام أكثر من 3 في المائة، أي 271.4 مليون سهم فقط، مقارنةً بالعدد الإجمالي لأسهم الشركات المساهمة المطروحة للاكتتاب، الذي بلغ 8.8 مليار سهم".
إذن فالترخيص وإدراج شركات مؤهلة لأن تكون أدوات مضاربة في سوق لها خصائصها، التي يجب ألا تكون خافية حالياً، يجب أن تراجع كنهج عام للإدراج واستراتيجياته التي يجب أن تحقق الأهداف النهائية المتوخاة. ومن قبل أكدنا بضرورة زيادة عمليات الطرح الأولي كمياً بالنهج الذي تتبعه هيئة السوق المالية، ولكن يجب أن يتناسب الطرح نوعياً مع صفات وخصائص السوق السعودية والوجهة المستهدفة بما يسهل تحقيق الأهداف والبعد عن السلبيات التي يتطلع الوسط الاقتصادي إلى تفاديها لحين تغير مستوى الوعي الاستثماري وتعميق السوق بما يؤدي إلى التقليل من المضاربات غير المنطقية التي يشوبها الكثير من التساؤلات المتعلقة بقانونيتها وملازمتها لمبادئ العدالة وتكافؤ الفرص دون تغرير أو إيهام أو خداع لصغار المستثمرين.
كما إن من أشد الأخطار التي نتمنى ألا تكون قد أخذت مكاناً هو وصول عدد كبير من المضاربين وصغار المستثمرين إلى قناعة بالمضاربة اليومية بشكل غير منظم يصعب كشفه وإدانته متخذاً من منتديات الإنترنت ورسائل التوصيات النصية قناة لتحرك عدد كبير من المضاربين الأفراد غير المنظمين مع اختلاف أحجام محافظهم الاستثمارية التي قد تكون صغيرة جداً بشكل يصعب معه إيجاد رابط يشير للإيهام والتغرير بالمستثمرين في السوق. فحينها، ستتواصل المضاربة غير المنطقية وإيهام صغار المستثمرين البعيدين عن مصادر توجيه موجات المضاربة الإنترنتية والنصية لكي ينضموا إلى فقاعات تضخم الأسعار في شركات المضاربة دون التمكن من إدانة أحد منهم، وكأن الفقاعة التي تضخمت في عام 2005 في طريقها للتكون مرة أخرى، ولكن بانتقائية حذرة من المضاربين المحترفين يصعب كشفها ومن الممكن استدامتها لفترة ليست بالبسيطة.
وأخيراً، من المهم التحوط إلى أن المضاربين المحترفين هم على قدر كبير من الخبرة والحذر وأن عمليات المضاربة المنظمة بين مجموعات تنسيق فيما سبق تأخذ في التعلم والتأقلم مع مستجدات تطبيقات الأنظمة والقوانين حديثاً كإلحاق العقوبات بمجموعات من المضاربين والمحركين لأسعار شركات بتحركات محكمة تم التنبه إليها من قبل هيئة السوق المالية، لتكون هذه المجموعات دون تنسيق واضح حالياً تحركاً يمكنه التأثير على أسعار أسهم الشركات ذات الطرح الصغير. لذلك، يجب أن تراعي هيئة سوق المال قدرة المضاربين على تغيير شكل ونهج المضاربة ليبدو وكأنه تحرك فردي أو غير منظم بينما الحقيقة تكمن في كون قيام بعض المواقع الإنترنتية والرسائل النصية بتنظيم عدد كبير من الأفراد ليكونوا مجموعة مضاربين دون معرفة بعضهم بالبعض الآخر، وجل ما يجمعهم هو تحريك أسهم معينة وإنشاء موجات المضاربة عليها ليستفيدوا ابتداء ويستفيد اللاحقون، أما القادمون في الأخير فعليهم بتحمل التبعات. وعليه، لتقطع هيئة سوق المال الطريق، ولو مرحلياً، بسن تشريعات تلزم الشركات المساهمة بتبرير ارتفاع يبلغ في المتوسط مثلاً 8 في المائة لثلاثة أيام متتالية، وبإدراج شركات توازن واستثمار للسوق تضيف عمقاً، تزيد تنوعاً، ويبلغ حجم أسهمها وقيمها المطروحة مستويات يصعب التحكم بها من خلال موقع إنترنت أو رسائل جوال!