الاقتصاد السعودي 2010-2015.. هل تستثمر الفرصة؟
صنف عالم جغرافيا السكان الفرنسي الفريد سايفي، في عام 1952م اقتصادات دول العالم إلى ثلاث فئات. أطلق على الفئة الأولى اسم "الدول الصناعية الرأسمالية"، وضمت جميع اقتصادات الدول الصناعية الموالية للمعسكر الرأسمالي.
وأطلق على الفئة الثانية اسم "الدول الصناعية الاشتراكية"، وضمت جميع اقتصاديات الدول الصناعية الموالية للمعسكر الشيوعي. وأطلق على الفئة الثالثة اسم "العالم الثالث"، وضمت جميع الاقتصادات المتبقية، التي لا يمكن إدراجها ضمن الفئة الأولى، أو الثانية.
من الأوساط الدولية التي قبلت التصنيف مجموعة البنك الدولي عندما اعتمدته، منذ صدوره، كأحد المعايير الرئيسية لتقديم المساعدات المالية والفنية لـدول العالم الثالث، وحتى عام 1981، عندما عدًلت اسم "العالم الثالث" إلى اسم "الأسواق الناشئة" في قصة مفيدة توضح الهدف من تعديل الاسم.
ففي عام 1981م، أنشأ البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية صندوقا استثماريا يهدف إلى تشجيع القطاع الخاص في دول الفئة الأولى، "الدول الصناعية الرأسمالية"، على الاستثمار في "العالم الثالث". وخلال إحدى الندوات التسويقية للصندوق، اعترض أحد الحضور على اسم "العالم الثالث"، موضحا أنه من الصعب إقناع الشركات الاستثمارية في "الدول الصناعية الرأسمالية" بضخ استثماراتها في عالم ثالث. قبل البنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية الاعتراض شكلاً، ومضموناً، وعدّل اسم "العالم الثالث" إلى "الأسواق الناشئة"، كمجرد وسيلة تسويقية لا أقل، ولا أكثر.
استمر تدفق استثمارات القطاع الخاص في "الدول الصناعية الرأسمالية" إلى "الأسواق الناشئة" على شكل استثمارات مباشرة منذ تغير الاسم وحتى اليوم، وبتنسيق مستمر مع مجموعة البنك الدولي.
حدث تطور مهم أخيرا في تصنيف "الأسواق الناشئة" عندما أعلنت مجموعة كارليل الاستثمارية عن تصنيف جديد للأسواق الناشئة إلى ثلاث فئات. اعتمد التصنيف على أربعة عوامل: درجة انفتاح السوق الناشئة على استثمارات القطاع الخاص في "الدول الصناعية الرأسمالية"، إجمالي الناتج المحلي للسوق الناشئة، ربحية الاستثمارات الأجنبية المباشرة القائمة، وتوافر التمويل المناسب من قبل المصارف المحلية.
وقبيل ذكر التصنيف الجديد، والدول المندرجة تحت كل فئة، فإنه من الأهمية بمكان توضيح موقع مجموعة كارليل الاستثمارية من التأثير على توزيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين الأسواق الناشئة. تتخذ المجموعة من العاصمة الأمريكية مقرا رئيسيا لها، وتدير استثمارات تفوق 40 مليار دولار أمريكي. يستحوذ القطاع الخاص الأمريكي على 65 في المائة من حجم استثمارات المجموعة، الأوروبي 25 في المائة، والياباني 6 في المائة، وتتقاسم بعض الدول من الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية نسبة الاستثمارات المتبقية.
تتباين مجالات استثمارات المجموعة بين شركات الدفاع، الطاقة، التقنية، الاتصالات، والإعلام. كما تتميز المجموعة بعلاقة وثيقة مع مجموعة البنك الدولي، ما أسهم إلى حد كبير في التنسيق البيني بين مشاريع البنك التنموية، ومشاريع المجموعة الاستثمارية، في الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من جميع هذه المميزات التي تميز مجموعة كارليل الاستثمارية إلا أنها تواجه مجموعة من الانتقادات الحادة من عدد ليس بالقليل من المنظمات الدولية. السبب في هذه الانتقادات محاذاة المجموعة لسياسات الحزب الجمهوري الأمريكي بوجود شخصيات مرموقة من الحزب، كجورج بوش الأب وجيمس بيكر، أعضاء في مجلس إدارة المجموعة.
بناءً على عوامل التصنيف، وموقع مجموعة كارليل الاستثمارية في خريطة استثمارات الأسواق الناشئة، أطلقت المجموعة على الفئة الأولى اسم "أسواق ناضجة". ورشحت أسواق هذه الفئة لاستقطاب معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال 2006-2009. أدرجت تحت هذه الفئة ثماني أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: الصين، الهند، البرازيل، روسيا، المكسيك، كوريا الجنوبية، تايوان، وجنوب إفريقيا.
كما أطلق على الفئة الثانية اسم "أسواق شبه ناضجة 1". أدرجت تحت هذه الفئة ثماني أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: تركيا، تايلاند، الأرجنتين، بولندا، الفلبين، السعودية، مصر، وماليزيا. رشحت أسواق هذه الفئة للارتقاء إلى درجة "الأسواق الناضجة"، وبالتالي استقطاب معظم حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خلال 2010-2015.
أطلق على الفئة الثالثة اسم "أسواق شبه ناضجة 2". أدرجت تحت هذه الفئة سبع أسواق ناشئة، مرتبة حسب حجم إجمالي الناتج المحلي، كالتالي: جمهورية التشيك، تشيلي، المجر، نيجيريا، الإمارات، الكويت، والأردن. رشحت هذه الأسواق للارتقاء إلى درجة "الأسواق الناضجة"، وبالتالي استقطاب معظم حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خلال 2015-2020.
يمثل تصنيف مجموعة كارليل الاستثمارية للأسواق الناشئة في مضمونه جانب "طلب" للاستثمارات الأجنبية المباشرة. يقابل هذا الجانب مقومات "عرض" مقدمة من السوق السعودية، من أهمها نشأة منظومة المدن الاستثمارية الخمس، وانفتاح السوق المالية السعودية التدريجي على الأسواق المالية المتقدمة.
الهدف من مواءمة مقومات جانب "العرض" مع متطلبات جانب "الطلب" الفوز بفرصة استقطاب معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الفترة 2010-2015 بما يحقق التنمية المستدامة لجميع جوانب الحياة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية السعودية.
كفاءة السوق السعودية في إدارة عملية المواءمة بين "العرض" و"الطلب" ستحدد حدة المنافسة مع الأسواق الناشئة السبع خلال الفترة 2010-2015. هل ستستثمر الفرصة أم لا، الأمر يتوقف على تطورات الفترة المقبلة، بإذن الله.