لنعترف بواقع الحال لاستمرار تنمية حوار الأجيال
كثيرة هي العبارات التي يستخدمها المسؤولون للرد على شكاوى المواطنين وطروحات الكتاب, والمفكرين حتى لو كانوا من أهل الاختصاص. ومن المعروف لو أن الوضع تطلب تدخلا وبالذات من أبناء الوطن المخلصين وارتأوا إصلاحا فيما ذهبوا إليه أو عرضهم للمشكلة بأساليب مختلفة, لما قيل في أي قضية كلمة أكثر من نقل الخبر. ولكن ما يُثبط عزائم الكثير هو أسلوب الرد, فمثلا نقرأ أو نسمع عبارات مثل: "غير صحيح", "لا يتم بتاتا", "غير موثق", "غير واقعي", "الكاتب غير ملم بالموضوع", "تنقصه الدقة", "معلوماته ناقصة", "نشكر فلان على الطرح والموضوع تحت الدراسة ", "لم أكن موجودا لأتحمل المسؤولية", "لم أطلع على موضوع مثل هذا من قبل", لم يصلني عن الموضوع شيء", "جانبه الصواب",... إلخ. جانب آخر من الردود قد يكون "الصمت عن الإجابة", أو "عدم الحضور للإيضاح والرد على تساؤل المستفيد من الخدمة"، حيث نجد في ذلك تنصلا من المسؤولية والاعتراف بوجود المشكلة. في الواقع هذه ليست كل الأساليب فهناك أخرى لا أجد فيها شخصيا سوى صد من لديه ملاحظة وقفل باب المناصحة. قد يفوقني المتخصصون أو الباحثون في علم النفس أو علم الاجتماع أو علم الإدارة أو علم الاتصال الإنساني, في تفنيد واقع ردود المسؤولين بناء على أنماط وأنواع شخصيات المسؤولين وكيفية ردودهم ومدى تناسقها مع مواقعهم من المسؤولية, ولكن مع كل هذه التعددية في نماذج الردود إلا أننا أمام رغبة عامة لتطوير هذه الآلية بفتح الحوار مع المسؤولين لمعرفة أسباب هذا التصرف أو ذاك لنلتمس لهم العذر أو نقترح لذلك حلا. أما المجتمع عامة فله علينا إثراء المستوى الثقافي لديه, وبدء حقبة من الزمن سمتها الشفافية في التعامل بين المسؤول والمواطن أو الفرد في المجتمع.
في الحقيقة ما زال هناك الكثير ليبرره المسؤول أو يتحمل مسؤوليته ويعمل على رفع الأذى المترتب عليه أو الظلم الناشئ منه على الموظفين أو حتى عامة الناس. ما أرمي إليه هو أن ارتفاع صوت المجتمع – في الحق طبعاً- تتنامى معه روح الوطنية, فبخروج الرأي العام الهادف والبناء للهواء الطلق تحدث النقلة النوعية في مواقف المجتمع من القضايا المختلفة وتتحقق التنمية بشمولية وإلى استدامة، بإذن الله. إن الصحوة الفكرية في مجتمعنا تطورت بتسارع كبير ولابد أن يشيع في الأجواء التفاؤل إذا ما تسلق جدار الشفافية أحد وأراد تحقيق الإصلاح الذي ينشده ولاة الأمر وكل فرد في مجتمعنا الكريم, وحيث إن العبء أثقل مما نظن، فينبغي أن نتعامل معه بأقصى درجات الجدية وبكل ما نملك من عزم, وليعلم المسؤول أن الكاتب أو الناقد أو المفكر أو السائل يشاركه التفكير في المشكلة ويبحث معه عن الحلول فهو يعاني أيضا أي إخفاق أو عدم توفيق. إن مثل هذه العبارات أو التصرفات قد تشير إلى جفاف العلاقة بين المسؤول والمواطن مما يتطلب من علمائنا في علم الاجتماع وعلم النفس مجتمعين مع علماء علم الإدارة وعلم الاتصال الإنساني دراسة الظاهرة في مجتمعنا وقياس ما إذا كانت تتماثل وما يمكن أن يظهر في مجتمعات أخرى. ثم نحتاج منهم إلى معرفة كيفية ردم الفجوة الحاصلة بين المثلث الأساس المسؤول والإعلام والمواطن كشاك أو متظلم أو مستفسر!, في هذا السياق لا يفوتني أن أنوه إلى أن المرأة مقبلة تتبوأ مناصب قيادية كبيرة وستكون مسؤولة عن الرد أيضا ومثل هذه الملاحظات ستجعلها تستعد من الآن ثقافيا وعلميا حتى لا تكرر مثل هذه السلوكيات في المستقبل. لذلك قد تفيد نتائج الدراسات في جعل المسؤولين يتفادون نسج العبارات التي لا تحقق الغرض من الرد.
باب آخر بدأنا نلاحظه منذ عامين تقريبا على صفحات وسائل الإعلام المقروء, وهو التراشق بالألقاب وتسفيه الأفكار والطعن في المواطنة، حيث أصبح ذلك علنا ويقرؤه الكبير واليافع وقد يكون مبطنا أحيانا, ولولا حنكة خادم الحرمين الشريفين، حفظهما الله، بإماطته الأذى عن الطريق بكلمات صريحة أعادت السكينة إلى النفوس ووحدت شتات التفكير وظللت كل أفراد المجتمع تحت سقف واحد, لقست القلوب وتحجر الفكر ولعدنا نجتر أيام الجاهلية الأولى. لا شك أن جميعنا يواجه، رغم ما يبذل من جهود، حالات الخلاف حتى مع أقرب الناس إلينا, ولكن لماذا نعجز عن التعامل مع حالة الخلاف بإيجابية؟. إن المثقف والمتعلم الآن مطالبان بالتعامل مع الخلافات بأسلوب بناء وإيجابي خصوصا إذا تفهما وأدركا أبعاد القضايا, ولا بد أن يجعل الواحد منا رسالته لمجتمعه مثلا يحتذى من قبل بسيط التعليم وضحل الثقافة والمقبل على الحياة بعنفوانية الشباب. فبالاعتراف بوجود قضية سنقلل من حالات التذمر ونفهم نمط الشخصيات التي نتعامل معها مما يمكننا من اجتياز حالة الخلاف والعمل لما يفيد الوطن بدلا من دخولنا في حلقة مفرغة لا تحقق لأي من الطرفين أي تقدم إيجابي. فلو تم تفادي الوصول بالخلاف إلى درجة الاتهام الشخصي دون التركيز على الأفعال والقضايا بشكل عام, بمعنى آخر التركيز على القضايا المختلف عليها وعلى أفعال الشخص وليس على شخصيته التي لا يمكن تغييرها بسهولة, وإذا ما كثفت الدراسات حول هذه القضايا وتم نشرها في وسائل الإعلام من قبل أهل الاختصاص لبنينا حوارا تفاعليا بناءً مع الأجيال, ولمهدنا الطريق لتنمية مستدامة، بإذن الله.
والله من وراء القصد.