أحمال إضافية

أحمال إضافية

بدأت مراكز الاستشعار عن بعد ومراكز التحليل والدراسات، التركيز على منطقة خليج المكسيك والبحر الكاريبي استعدادا لموسم الأعاصير والزوابع التي يفترض أن تبدأ مع هذا الشهر. فالذاكرة لا تزال عامرة بالدمار الذي لحق بالمرافق النفطية في خليج المكسيك بسبب إعصاري كاترينا وريتا قبل عامين، وكشفت عن الخلل في قدرة القطبية الوحيدة في العالم على التعامل مع الكوارث.
لكن المفاجأة جاءت في أن الاهتمام تحول إلى منطقة الخليج بداية بعُمان ثم إيران والخوف الأكبر أن يلحق شيء من الدمار بمضيق هرمز، الذي يعتبر الشريان الأساسي لتجارة النفط لربطه بين مناطق الإنتاج ذات المخزون النفطي الوفير في الخليج ومناطق الاستهلاك الأساسية في أوروبا، آسيا والولايات المتحدة.
يلفت النظر أن آخر مرة شهدت فيها منطقة الخليج إعصارا بهذه القوة للدرجة التي يثير معها المخاوف العالمية كانت قبل 60 عاما.
في حرب يونيو العربية ـ الإسرائيلية، التي مرت ذكراها رقم 40 الأسبوع الماضي، قيل في تفسير الهزيمة إن التقديرات كانت تشير إلى أن الهجوم سيأتي من الشرق، فإذا به يأتي من الغرب، ولم تكن هناك استعدادات له.
الصناعة النفطية كانت تتبنى موقفا معاكسا، كانت تنتظر الأعاصير في الغرب فجاءتها من الشرق. وكأنه لم يكفها احتمال انقطاع الإمدادات بسبب الاضطرابات في نيجيريا أو احتمال المواجهة مع إيران، أو حتى عدم القدرة على مجاراة الطلب المتنامي، فإذا بمناطق الخليج تصبح عرضة لأعاصير يمكن أن تؤثر في مرافقها النفطية وربما يصل تأثيرها إلى مضيق هرمز.
أحد هموم المستهلكين الغربيين خاصة الأمريكان أن تؤدي حالة الصراع السياسي المستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط إلى الدفع باتجاه إغلاق الملاحة في مضيق هرمز، وسيلة أخرى لاستخدام النفط وسيلة في الصراع السياسي مثلما حدث من قبل إبان الحظر النفطي الذي رافق حرب 1973 ولهذا أصبح من الهموم الأساسية لمختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة كيفية تأمين الإمدادات، وهو ما دفع إدارة الرئيس جورج بوش أن تذهب بعيدا في هذا الاتجاه وتتخذ خطوات عملية بهدف تفعيل الخيار الإفريقي ليوفر إمدادات بكميات كافية تقلل من الاعتماد الكبير على منطقة الخليج، وهو ما عبر عن نفسه بإعلان منطقة غرب إفريقيا أنها ذات أهمية حيوية للمصالح الأمنية الأمريكية واتخاذ القرار بإقامة قاعدة عسكرية منفصلة عن القيادة الوسطى التي كانت تشمل إفريقيا فيما تشمل، ولو أن مقر هذه القيادة لم يتحدد بعد.
لكن الإعصار جونو جاء بتطور جديد، وهو أن الأمر يتجاوز التصرفات السياسية أو الأوضاع الأمنية للدول المنتجة، وأن أمن الطاقة لا بد أن يضع في حسبانه تحركات الطقس، وفي مناطق لم تكن مشغولة بهذا الجانب وبهذه الحدة من قبل. فهل هذا أحد مؤشرات التغيير المناخي التي يكثر الحديث عنها ودون وجود دلائل قاطعة لا يأيتها الباطل من بين يديها حول مدى مسؤولية الصناعة النفطية تحديدا عن هذه التغييرات المناخية، وبالتالي ما الذي يمكن عمله لتلافي هذا الوضع.
بغض النظر عن الإجابة، فإن الحقيقة الماثلة تتلخص في أن الصناعة صارت أكثر ضعفا وعرضة لمؤثرات عديدة في الوقت الذي تتزايد فيه عالميتها، وهو تطور يعني ببساطة أنه في حالة عدم اليقين السائدة وتصاعد الطلب ودخول لاعبين جدد إلى السوق، فإن أي حادث يقع في أي منطقة في العالم ستكون له انعكاساته المباشرة على السعر، وربما على الإمدادات بصورة مستمرة، وكأن الصناعة بقدرما تزداد عولمة تزداد ضعفا.
ومقابل هذا فإن الصناعة تبدو أقل استعدادا للتعامل مع هذا الواقع. المنتجون يتحركون في المجال الذي يخصهم، والمستهلكون يتحركون في مجالهم كذلك، هذا إلى جانب بروز لاعبين أكثر تأثيرا في الأوضاع مثل الصين، البرازيل، وروسيا، في الوقت الذي لا تزال المفاهيم التقليدية عن النفوذ الغربي سائدة، وكل هذا في إطار من التضارب المعلوماتي الذي فتح الباب واسعا أمام المضاربين ليتلاعبوا ويحققوا أرباحا في لحظات ما بين بث خبر يرفع سعر البرميل أو يخفضه وما يستغرقه ذلك من وقت للتصحيح أو التحقق مما ذكر، وهي فترة كافية لمن يريد ليجني ما يريد من أرباح.
وإذا كانت تجربة الإعصار جونو قد مرت بسلام فيما يتعلق بالصناعة النفطية ولم تؤثر في بعض مرافقها، ناهيك عن الوصول إلى حالة السيناريو الكارثة ذلك المتعلق بمضيق هرمز، إلا أن ما حدث يمثل جرس إنذار يحتاج إلى وقفة وتبصر وخطوات عملية تنطلق من الحقيقة المتمثلة في عالمية الصناعة، وأنها تحتاج إلى شحذ أدواتها وتعاملها مع متغيرات السوق من هذا المنطلق. وهو جهد مطلوب من المنتجين والمستهلكين على السواء، وعله يكون مدخلا لتجاوز ذهنيات الماضي.

[email protected]

الأكثر قراءة