لا نتجنى على "مساكن" ولكن نريد مساكن
من أهم القضايا المطروحة وبإلحاح اليوم هي قضية السكن, لأنها تمس واحدة من أهم احتياجات المواطن الضرورية, خصوصا في بلد حباه الله خيرا وفيرا وولاة أمر حرصاء على رفاهيته, فضلا عن تأمين احتياجاته الأساسية, والسبب ارتفاع التكلفة التي جعلت تملك المواطن في وطنه مسكنا له ولأولاده من الصعوبة بمكان, وهنا أتفق تماما مع الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الزامل عضو مجلس الشورى في مقال له في "الاقتصادية" بعنوان "مساكن .. مبادرة أسيء فهمها" "إن المملكة تواجه أزمة إسكان شعبها, وإن كنت لا أتفق معه كلية حين وصف ردود الأفعال الناقدة لبرنامج مؤسسة التقاعد المسمى "مساكن" بأنه أسيء فهمه, فالحقيقة لم تكن في "قصور" فهمنا بقدر ما هي في خيبة أملنا يا دكتور عبد الرحمن, فالمستهدفون من برنامج "مساكن" وهم موظفو ومتقاعدو الدولة كانوا يمنون أنفسهم بحلم تمويل تملك سكن, عز في السنوات الأخيرة بسبب الغلاء الفادح, ولكن بشروط معقولة وميسرة تؤمن للغالبية منهم تملكه, ولم يكن أحد يمني النفس بمشروع خيري لوجه الله, ولكن اشتراطات البرنامج التعجيزية الذي وصفه الدكتور عبد الرحمن بأنه عظيم ولو عمل في دول أخرى لاحتفي به", واضحة في انصراف الغالبية عنه لعدم انطباقها عليهم .. فأين العظمة فيه؟
على أي حال لا أرى من الصواب أن ننشغل في جدل فرعي عقيم ونترك صلب القضية, فبلادنا تعاني فعلا أزمة سكن وإسكان, وهي في حاجة ماسة إلى إيجاد حلول جدية وعملية لها, وليس حلولا معقدة ومعوقة على شاكلة برنامج "مساكن". نشأت مشكلة السكن من التكلفة الباهظة التي لا يقدر عليها الغالبية من المواطنين في ظل الغلاء في الأراضي أو أسعار البناء أو شراء المسكن الجاهز, فدخول غالبيتنا غير قادرة عليها, وتأمين مسكن متملك لا يقدر عليه إلا القلة القادرة ليس في بلادنا فقط بل في كل بلاد الدنيا, ولكن عند غيرنا حلوها بإيجاد مصادر تمويل معقولة وميسرة, لأن التوسع في تمليك الناس مساكن ضرورة لأنه جزء من الأمن الاجتماعي, وحين ننظر إلى حالنا مع السكن وأسباب تحوله إلى مشكلة مؤرقة نجدها في غياب مصادر تمويل ميسرة وعملية.
الدولة, وفقها الله, اعتنت مبكرا بقضية الإسكان من خلال مشاريع الوحدات الإسكانية التي نفذتها وزارة البلديات والإسكان سابقا, كما أشار إليه الدكتور الزامل في مقاله, حين كان وزيرها الأمير متعب بن عبد العزيز, التي تحسب له بلا شك, ومن خلال تقديم منح أراض ومن ثم إنشاء صندوق التنمية العقاري الذي يقدم قروضا بلا فوائد, إلا أن المشكلة هي في أن تلك الجهود لم تعد فاعلة وكافية اليوم لمواجهة مشكلة الإسكان, فلم يستمر بناء وحدات سكنية, ومنح الأراضي تأخذ وقتا طويلا للحصول عليها, فضلا عن منحها خارج النطاق العمراني, والقروض العقارية إلى جانب عدم كفايتها لبناء مسكن تحتاج إلى انتظار يستغرق سنوات وسنوات طويلة, وكون المشكلة الآن باتت متنامية وفي اتساع, فلا بد من مواجهتها بحلول عملية ومجدية, وحلها يحتاج إلى تضافر جهود عدة جهات وعلى رأسها الدولة, وهنا أود طرح رؤية أعتقد أن الأخذ بها أو بشيء منها سيسهم في الحل, وسآخذ مشروع مؤسسة التقاعد "مساكن" مثلا عليها, فهذا المشروع كان يمكن أن يكون "عظيما" لو نفذ بمشاركة أوسع من قبل الدولة والمؤسسة وشركات البناء المتعددة, فكان يمكن أن تسهم الدولة بالأرض مجانا عوضا عن المنح الشخصي للمواطن, ومن سبق حصوله على منحة أو لديه أرض يقدمها, مع دفع قرض صندوق التنمية العقاري المفترض أن يحصل عليه المواطن لمؤسسة التقاعد, وأن تقوم المؤسسة بالاتفاق مع عدد من شركات البناء ببناء وحدات سكنية بتصاميم متعددة وبأسعار معقولة بحيث تتوافق مع احتياجات كل أسرة, وتحسب بعد ذلك التكلفة ناقص قيمة الأرض ويدمج القرض مع تكلفة البناء ويقسط على المواطن بفائدة معقولة وليست مركبة أو كبيرة مع عدم إدخال قرض الصندوق فيها, وعندها سننجح في حل مشكلة الإسكان بسهولة وبما يمكن أكبر شريحة ممكنة من تملك مساكن بمساهمة من الدولة, ويمكن تطبيق ذلك مع عدة جهات أخرى كالتأمينات الاجتماعية وغيرها من الجهات, ومنها البنوك كممول بشرط تخليها عن جزر الناس بعمولاتها المركبة.
وهنا أتوجه للدكتور غازي القصيبي وزير العمل ورئيس مجلس إدارة مؤسسة التأمينات الاجتماعية بألا يأخذ بنصيحة الدكتور الزامل له بالحذو حذو مؤسسة التقاعد, فهو لا يحتمل أكثر مما يحمل الآن, وإذا افترضنا أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية تريد أن تسهم بمشروع إسكاني كزميلتها مؤسسة التقاعد عظيم بالفعل, فعليها أن تصمم برنامجا إسكانيا تؤمن فيه الدولة الأراضي ويحول صندوق التنمية العقاري قرضه للمواطن إليها وتسهم هي بقيمة البناء وتقسطه عليه بعمولة يسيرة, أما غير ذلك فسوف نتخبط في مشاريع على شاكلة برنامج "مساكن".