مصائب قوم عند قوم فوائد
منذ فترة طويلة وأنا أرغب الكتابة عن اللجنة الرباعية الخاصة بالشرق الأوسط, لكن كثرة المواضيع والأحداث على مختلف الساحات المحلية, والإقليمية, والدولية, حال دون ذلك وجعلني أؤجل الكتابة حول هذا الموضوع, وبعد ترشيح اللجنة الرباعية لتوني بلير ليكون ممثلاً لها, وجدت من اللازم الكتابة حول هذا الموضوع وتناوله بالتحليل. بادئ ذي بدء اللجنة تتكون من أربعة أطراف هم الولايات المتحدة, الاتحاد الأوروبي, روسيا, وهيئة الأمم المتحدة, وأول ما يلفت النظر في تشكيل هذه اللجنة هو وجود دولتين من أعضائها هما الولايات المتحدة الأمريكية, وروسيا, كما يوجد الاتحاد الأوروبي وهي منظمة إقليمية خارج الشرق الأوسط والذي يفترض أن اللجنة شكلت من أجله, كما تضم اللجنة الأمم المتحدة وهي منظمة يفترض أنها منظمة دولية. وفي ظني أن القارئ يجد كما أجد التناقض في تركيب هذه اللجنة, ويتساءل لماذا تمثل دولتان في هذه اللجنة, مع العلم أن الدولتين عضوان في هيئة الأمم المتحدة, ثم يتساءل مرة أخرى, ما سبب تمثيل الاتحاد الأوروبي في هذه اللجنة؟ رغم أن الدول المشكلة للاتحاد الأوروبي كلها أعضاء في هيئة الأمم المتحدة. أما السؤال الآخر فهو بشأن الأمم المتحدة العضو الرابع في هذه اللجنة من تمثل؟ هل تمثل من بقي من الدول الأعضاء الآخرين في آسيا وإفريقيا؟ وهل يعني تشكيل هذه اللجنة تميزاً لأعضاء دون أعضاء, أي هل أعضاء هيئة الأمم المتحدة من آسيا وإفريقيا لا يرتقون إلى مستوى عضوية أمريكا, وروسيا, والاتحاد الأوروبي؟ ثم لو حدث وعلى سبيل الافتراض فقط خلاف بين الأعضاء فما وزن المنظمة الدولية مقابل الأعضاء الثلاثة الآخرين في اللجنة. هل تمثل الأمم المتحدة من يفترض تمثيله من المظلومين وفي هذه الحالة الفلسطينيين؟ أم أن دور الأمم المتحدة لن يكون إلا صورة لا أكثر ولا أقل, وذلك بهدف ذر الرماد في العيون, وحتى يتم فرض ما تريده أمريكا والاتحاد الأوروبي على اعتباره أمرا لازماً طالما أنه صدر من اللجنة الرباعية.
لقد أثبتت الأحداث فيما مضى أن تشكيل اللجنة بهذه الصورة هو لتمرير قرارات تخدم المصلحة الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية ولكن بلباس دولي, ومن أبرز الأمثلة على هذه القرارات التي اتخذتها اللجنة بحق الفلسطينيين, حين أصرت اللجنة أن لا اعتراف بالحكومة الفلسطينية التي جاءت بعد الانتخابات إلا بعد الاعتراف بإسرائيل, ونبذ العنف, وفك أسر الجندي جلعاد شاليط حتى أن هذا القرار الصادر من هذه اللجنة أصبح سلاحاً يشهره المسؤولون الإسرائيليون ومعهم الأمريكيون, فالحصار الاقتصادي يستمر, وغلق المعابر كذلك يستمر ما لم تستجب الحكومة الفلسطينية وحماس لقرار وشروط اللجنة الرباعية. وإذا باللجنة الرباعية تتحول إلى منبر دولي يحل محل الأمم المتحدة, وإذا بهذه اللجنة تهمش دول العالم الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة وتتحول إلى محام عن إسرائيل. وحري بنا ونحن نناقش هذا الأمر أن نتساءل من شكل هذه اللجنة؟ وكيف يقبل العرب بها من الأساس وكيف يقبلون قراراتها ويتعاطون معها؟!.
إن الملام ليست أوروبا ولا أمريكا ولا روسيا, بل الملام العرب الذين يتعاملون مع هذه اللجنة التي سحبت البساط من تحت الأمم المتحدة أو ما يسمى بالأمم المتحدة والتي تحولت كما يقول المثل الشعبي "خيشة باب" حيث تمسح الأحذية وتنظف قبل الدخول. تشكيل اللجنة الرباعية بهذه الصورة لا تخدم القضية الفلسطينية على الإطلاق, خاصة أن أعضاءها هم أساس البلاء في هذا العالم, فأمريكا وأوروبا وروسيا هي من خاض ويخوض الحروب العدوانية في العالم, كما أنها هي من أسس ودعم وساند العدو الصهيوني منذ أن كانت فكرة الدولة وحتى قيامها, حيث هذه الدولة هي مصدر المهاجرين اليهود, ومن هذه الدول يدعم العدو الصهيوني مالياً وعسكرياً وسياسياً. إن اللجنة الرباعية تفتقد الأهلية الأخلاقية, والتاريخية التي تؤهلها لحل قضية فلسطين, فلا الوازع الأخلاقي متوافر في هذه الدول, ولا مواقف تاريخية تحسب لهذه الدول وتشهد على نزاهتها وإنصافها.
الدول العربية يفترض أن ترفض فكرة اللجنة الرباعية لأنها تحصر وتكرس فكرة أن الحل بيد الغرب, وهذا الافتراض غير صحيح, فالغرب هو من خلق المشكلة وليس مؤهلاً لحلها. كما أن جامعة الدول العربية يفترض أن يكون لها موقف واضح وصريح من هذه اللجنة ويفترض عدم التعاطي أو التعامل معها.
يضاف لشواهد تحيز اللجنة الرباعية مبادرتها لتعيين توني بلير ممثلاً لها في الشرق الأوسط ويأتي تعيينه بعد خروجه من رئاسة مجلس الوزراء البريطاني مكرهاً بعد فشله الذريع في السياسة الخارجية, خاصة بعد توريط بريطانيا في حرب العراق. والغريب في الأمر أن يأتي اختيار بلير بعد خروجه من رئاسة مجلس الوزراء بيوم واحد, وكأن العالم العربي لا يخدمه إلا الفاشلون, فبلير فشل في السياسة الخارجية, ولم يعمل شيئاً خلال عشر سنوات وهو في سدة الحكم في بلاده, فكيف سيقدم أو يؤمل أن يقدم شيئاً حيال قضية فلسطين التي كان لبلاده اليد الطولى في أحداثها وجلب اليهود من أوروبا وإقامة وطن دائم لهم في فلسطين كما ورد في وعد بلفور. لقد بادر بلير وعين دانيال ليفي مساعداً له في مهمته الجديدة وليفي كان يعمل مع رئيس وزراء العدو الصهيوني السابق باراك, فماذا يرتجى من فرد وقف مع العدو الصهيوني ودعمه مادياً وسياسياً ومعنوياً, ثم يبادر ويعين يهودياً مساعداً له في حل قضية فلسطين؟!.
إن من دخل في حرب وقتل الأبرياء في العراق ليس أهلا للدخول أو المشاركة في حل قضية لم يقدم لها خلال عشر سنوات إلا الهراء. مرة أخرى أؤكد أن حل مشكلاتنا لا يمكن أن يتحقق من قبل بلير, ولا من بوش, ولا من غيرهم. فالحل بيدنا لأننا نملك المال, والحق التاريخي, والعقول, وسواعد البناء المتلهفة للمساهمة في حل قضايا, ومشاكل الأمة متى ما أعطيت الفرصة لذلك. أتوقع أن يكون للعرب ممثلون في جامعة الدول العربية وللفلسطينيين بوجه خاص موقف حازم من اللجنة الرباعية بكاملها ومن ممثلها بلير الذي سيتخذ من القدس مقراً له. الموقف يفترض أن يكون من السياسيين, والمثقفين, والمفكرين, والإعلاميين, على أن يكون الموقف واضحاً وصريحاً ومستمراً, إذ لا يمكن قبول أن تتحول منطقتنا إلى منطقة نفي ينفى إليها من يفشل في بلاده لينجح ويكسب على حساب مصالحنا, ومقوماتنا, وقضايانا. لقد تحولت مصائبنا إلى مكاسب للغرب وأصبح يتصرف بنا دون استشارتنا ويعين من يريد ويقرر ما يريد دون أن يسمع كلمة اعتراض منا. ومثل هذا الموقف المتخاذل إزاء هذه اللجنة وقراراتها يحسب علينا نحن العرب شعوباً وقيادات.