رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ظاهرة هاري بوتر وفيس بوك

[email protected]

الإبداع لا يخرج إلا من رحم البيئة الصحية التي توفر مساحة واسعة لتحويل الأحلام إلى حقائق وتبث في المبدعين روح الحماس والشجاعة لمواجهة العالم بأفكارهم التي قد تبدو للبعض قليلة الأهمية أو غير قابلة للتطبيق. والقيود على التفكير هي إحدى معوقات الإبداع حيث تجعل مساحة التحرك في الأفكار ضيقة مما يحد من قدرة الإنسان على إنتاج أفكار أو اختراعات جديدة. والإنسان المبدع شخص ذو قدرة على الخيال ورسم صورة لما يرغب أن تكون عليها الأشياء من حوله ما قد يبدو للبعض أنه ضرب من الخيال غير القابل للتحقيق. إضافة إلى ذلك، فالإنسان المبدع شخص يتسم بالفردية أي أنه لا يستمد قوته ولا يرى نفسه إلا من خلال القدرات التي يمتلكها ومدى قدرته على إضافة شيء جديد ومتميز إلى حياة الآخرين. لذلك تراه لا يأبه كثيراً بالمجتمع من حوله وكثيراً ما يؤدي به الحال إلى الانعزال عن هذا المجتمع من أجل البحث عن ذاته. وفي مقال هذا الأسبوع رأيت أن أتناول بعض حالات الإبداع التي شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة علٌنا نجد فيها ما يعيننا على تهيئة بيئة مناسبة لإبداع أبناء وطننا.
الحالة الإبداعية الأولى هي صدور السلسة الأخيرة من رواية هاري بوتر في الحادي والعشرين من هذا الشهر. والرواية صدرت في سبع أجزاء تم عرض خمسة منها في دور السينما العالمية. وقد يرى البعض أن فكرة الرواية والشخصيات التي تدور حولها فكرة سخيفة أو غير مقبولة من مجتمعنا وديننا الإسلامي، حيث تدور كثير من أحداثها حول فكرة السحر والشعوذة. ولكن ما يهمني هو القدرة الإبداعية لكاتبة الرواية ومدى الخيال الخصب الذي تتمتع به. وقد حقق الجزء السابع من هذه الرواية مبيعات تجاوزت الثمانية ملايين نسخة في الولايات المتحدة وأكثر من مليوني نسخة في بريطانيا. كما أن كاتبة هذه الرواية وبطل فيلمها أصبحا من أصحاب الملايين. ولك أن تتصور حجم الاستعداد الذي بذلته دور النشر في الولايات المتحدة استعدادا لإطلاق الجزء الأخير منها. أي أن هذه الرواية تحولت من حالة إبداعية فردية إلى اقتصاد متكامل بدءاً من دار النشر التي استثمرت في شراء حقوق المؤلف إلى دور بيع الكتب إلى صناعة السينما وأخيراً إلى صانعي الألعاب والتذكارات. أضف إلى ذلك مواقع الإنترنت المتخصصة في مناقشة أحداث الرواية. موقع واحد أسسه شابان مهووسان بهاري بوتر كان يهتم بالتوقعات المتعلقة بأحداث الرواية، حقق أكثر من 20 مليون زيارة يومياً. أي أن هذا الموقع أصبح استثمارا قائماً بحد ذاته وهو قائم على عمل فردي بحت. وأخيراً فإن أهم جانب إيجابي لهذه الرواية هو إعادة الكثير من الناس وتشجيع الكثير الأطفال وترغيبهم في القراءة.
الحالة الإبداعية الأخرى التي رأيت التطرق لها تتعلق بموقع الفيس بوك Face Book الذي كان هو الآخر نتاج عمل فردي بحت. فقد أطلق مارك زوكربرق طالب هارفارد الذي لم يتجاوز الـ 21 ربيعاً في شباط (فبراير) من عام 2004 موقعاً كان الهدف منه إنشاء مكان يلتقي فيه طلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة ليحاكي ما يسمى بالـ Face Book والموجود لدى كل جامعة ويحتوي أسماء ومعلومات عن الطلبة وأعضاء هيئة التدريس إضافة إلى صورهم الشخصية. وخلال أقل من شهر بدأ أكثر من نصف منتسبي جامعة هارفارد استخدام هذا الموقع، بل إنه لم يتجاوز الأشهر الثلاثة أي في نهاية نيسان (أبريل) من عام 2004 حتى انتشر الموقع بين جميع منتسبي جامعات الـ Ivy League والتي تمثل أفضل جامعات الشمال الشرقي من الولايات المتحدة والتي يبلغ عددها ثماني جامعات تشمل إلى جانب هارفارد كل من: ييل، برينستون، براون، بنسفانيا، كونيتيكت، كورنيل، كولومبيا، ودارتموث. بعد ذلك بدأ الموقع ينتشر في جميع أنحاء الولايات المتحدة والعالم مضيفاً المدارس الثانوية والشركات الخاصة والأقاليم إلى شبكاته حيث يتيح لمنتسبي المدارس أو الشركات تكوين بيئة اجتماعية يلتقي فيها هؤلاء ويضيفون ما يرغبون من الصور أو التعليقات. وفي نهاية عام 2006 أي في أقل من عامين على إنشاء الموقع تلقى زوكربرق عرضاً من ياهو لشراء الموقع بقيمة قاربت المليار دولار أمريكي. كما أن عدد منتسبي هذا الموقع تجاوز 30 مليون شخص وبمعدل نمو أسبوعي بلغ 3 في المائة.
هذان فقط مثالان على إمكانية تحول الحالة الإبداعية إلى إنجاز خرافي بالمقاييس المادية طبعاً، والسؤال هو لماذا لا نجد مثل هذه الحالات الإبداعية في أماكن أخرى من العالم كآسيا مثلاً أو لماذا لا نجدها في عالمنا العربي. والجواب على ذلك هو أن هناك بيئة متكاملة تستطيع احتضان الإبداع والخروج به من الحالة الفردية البحتة وتحويله إلى إنجاز رأسمالي بحت. أي العمل على اقتناص الفرص التي يمكن تحويلها إلى حاجة ملحة لدى الناس، وهذا هو الأساس الذي تستند إليه الرأسمالية الغربية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي