في سوق الأسهم: العدالة هي الهدف
أحدث البيان الذي صدر من هيئة السوق المالية والمتضمن صدور قرار نهائي من لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية بإدانة اثنين من المتداولين وآخرين من وسطاء التداول في سوق الأسهم بناء على مخالفتهم المادة (49) من نظام السوق المالية التي تنص على أنه يعد مخالفاً لأحكام هذا النظام، أي شخص يقوم عمداً بعمل أو يشارك في أي إجراء يوجد انطباعاً غير صحيح أو مضللاً بشأن السوق، أو الأسعار، أو قيمة أي ورقة مالية، بقصد إيجاد ذلك الانطباع أو لحث الآخرين على الشراء أو البيع أو الاكتتاب في تلك الورقة أو الإحجام عن ذلك أو لحثهم على ممارسة أي حقوق تمنحها هذه الورقة أو الإحجام عن ممارستها، وقد عددت المادة الأعمال والتصرفات التي تعد من أنواع الاحتيال المحظورة.
وعلى الرغم من إيجابية هذا القرار على مستوى العدالة إلا أنه يجبرنا عل فتح ملفات ذات علاقة بهذا الموضوع وطرح العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى شفافية كبيرة في الإجابة، آخذين في عين الاعتبار أن تلك الأسئلة تمثل مربط فرس في رفع مستوى العدالة وهو ما ينشده الجميع خصوصا والعدالة تمثل أحد أهم أولويات هيئة السوق المالية وما تضمنته لوائحها ونظامها التأسيسي.
وتبادرت إلى ذهني أسئلة كثيرة عندما قرأت خبر صدور قرار الإدانة بعد مرور أربع سنوات على تأسيس الهيئة واكتسابها لكثير من الخبرة وتجاوزها لكثير من السلبيات التي بسبب قصر العمر الزمني للهيئة وضعف التجربة. ولعل الكثير من الأسئلة كانت تدور حول الدور المفترض للبنوك كونها اليوم تلعب الدور المزدوج كونها بنكا ووسيطا في الوقت نفسه، لماذا تمت إدانة وعقاب الأشخاص فقط؟ أليس هؤلاء الأشخاص موظفين في بنوك (شركات وساطة مالية)؟ لِمَ يتم عقاب الأشخاص ولا يتم عقاب المنشآت؟ أين البنوك من التشهير والعقاب؟ خصوصا بعد فصل شركات الوساطة عن البنوك فأصبحت فرضياً تحت مظلة هيئة السوق المالية ، بعد أن كنا نشتكي من تضارب السلطات في ما يخص عمل البنوك قبل إقرار لائحة الوسطاء بين المرجعية التشريعية والإدارية للعمل البنكي والمتمثل في مؤسسة النقد وبين عمل البنوك الوساطي في سوق الأسهم ومرجعيته التشريعية تتمثل في هيئة السوق المالية.
وعندما تم طرح لائحتين من لوائح تنظيم السوق المالية في جمادى الآخرة 1426هـ - حزيران (يوليو) 2005م، وهما لائحة أعمال الأوراق المالية، ولائحة الأشخاص المرخص لهم، كان أملا طال انتظاره ومولودا تعسرت ولادته وحاجة ملحة وحقيقية.فأهمية وجود عدد كبير من الوسطاء تعكس قوة السوق وأهميته وذلك يعطي مساحة كبيرة لاقتصاد السوق المفتوح ولفرض قوى العرض والطلب تحت معيار جودة الخدمة في المقام الأول والسعر في المقام الثاني. خصوصا أن ذلك الطرح تضمن منح البنوك السعودية مهلة سنتين لاستكمال تأسيس شركات للتعامل في الأوراق المالية والذي كان يهدف إلى تقليل الاحتكار الضمني ذي المصالح المتضاربة التي طال الحديث عنها والنقاش حولها. وأتمنى أن يكون هذا الانفتاح تتبعه أنظمة صارمة ضد البنوك أو شركات الوساطة على حدا سواء، فالاسم لا يهم كثيرا إذا كان هناك تطبيق لأنظمة الثواب والعقاب.
أما على مستوى النظرة الكلية للسوق فإن الكثير من الأسئلة حول التلاعب الكبير الذي يشهده السوق منذ بدأ طفرة الأسهم السعودية وخصوصا بعد انهيار شباط (فبراير) الكبير الذي وإن كان له بعض التبريرات على مستوى تحليل الأسواق المالية إلا أن هذا التحليل يعجز عن تفسير التلاعب الكبير في كثير من أسعار الأسهم منذ شباط (فبراير) إلى يومنا هذا. ويبقى السؤال: أين من تلاعب بأسهم صغار المتداولين وحملهم الدين والقهر؟ إن المادة (49) من نظام الهيئة تشمل الجميع نظرياً!!
إن محتوى هذا الطرح لا يمثل طرحا قانونيا للقضية بأي حال من الأحوال وإنما هو تساؤل يدفعه الطموح إلى رفع مستوى العمل المالي فيما يضمن الحفاظ على حقوق الجميع وهو بلا شك مكون أساسي من مكونات العدالة التي ينشدها الجميع والتي تعد أحد أهم أسباب وجود هيئة السوق المالية، إضافة إلى ذلك فإنه جزء لا يتجزأ من مبدأ الشفافية التي يتغنى بها البعض ومع الأسف لا نراها على أرض الواقع خصوصا والموضوع يمس الجميع على كل الأصعدة في بلد الاقتصاد الأقوى في المنطقة.