الحديث المر عن تراجع الريال خلف الدولار..هل من حل؟

[email protected]

ازداد الحديث في الفترة الأخيرة عن السياسات النقدية للمملكة، وانصب التركيز على المطالبة بفك الارتباط بالدولار وربطها بسلة من العملات. وكانت القلة مع بقاء سعر الصرف مرتبطاً بالدولار كما هو، تماشياً مع السياسة النقدية للمملكة. ومن الملاحظ أن المؤيدين لفك الارتباط بالدولار في ازدياد واضح، بينما تضعف حجة القلة المنافحة عن بقاء ربط الريال بالدولار مع استمرار ضعف الدولار فالذين دافعوا عن السياسات النقدية الحالية ببقاء سعر الريال مرتبطاً بالدولار لم يقدموا دلائل قوية للدفاع عن حجتهم تلك، فقد ارتكزت إلى تحسن الصادرات، وتشجيع السياح والحجيج، وتناسوا مصلحة أكثر من 22 مليون مواطن ومقيم، تتراجع قوتهم الشرائية مع تزايد معدلات التضخم.
وأغرب ما قرأته بهذا الصدد ما كتبه الدكتور فيصل الحجي في عدة مقالات عن ذلك في هذه الجريدة، حيث أعاد ما درسناه في الكتب الجامعية لمواد الاقتصاد الكلي بشكل مبتسر، وخرج بنتيجة ضرورة بقاء أسعار الصرف كما هي. والبقاء "رهينة لدولار متراجع" يعكس وضع الاقتصاد الأمريكي المتراجع، وتناسى النمو الاقتصادي الكبير الذي يشهده الاقتصاد السعودي، مع تحسن كبير وواضح في الاحتياطيات الأجنبية التي قد تتجاوز تريليون ريال هذا العام.
لذا فإن اختزال ما يدرس في الكتب الجامعية، بعيداً عن الممارسة الفعلية لسياسة نقدية مستقلة وقوية، تأخذ في الحسبان التغيرات الاقتصادية المتسارعة، هو أمر غاية في الغرابة، ناهيك عن أن المدافعين عن تحسن الصادرات السعودية هم من فئة المصدرين الذين تعتمد منتجاتهم على الأسواق العالمية، ما يجعلنا لا نعتد بحججهم عند النظر إلى التغيرات الفعلية في الاقتصاد السعودي والاقتصاد العالمي ككل.
ولأن اقتصاديات العالم آخذة في التغير متجهة إلى تحرير اقتصادياتها، وخصوصاً تحرير السياسات النقدية، لتعكس التغير الكبير في موازين القوة الاقتصادية العالمية، وبالتالي تصبح أكثر واقعية للتغيرات الراهنة والمستقبلية. يجعلنا ندعو مؤسسة النقد السعودي (ساما) إلى الخروج من سياسة التحفظ الشديدة، والتعامل مع الواقع المتغير، بصورة توائم التغيرات التي يشهدها الاقتصاد السعودي فالمملكة، التي كان يشار إليها إلى أنها أكثر تحفظا في سياساتها النقدية في الماضي عن الوقت الحالي، أقدمت في سنة 1986 على تغيير سعر صرف الريال من 3.65 ريال/دولار إلى سعره الحالي نتيجة تراجع أسعار النفط، وتلاشي احتياطيات الدولة آنذاك. ولأن العكس يحدث الآن، حيث تنمو الاحتياطيات الأجنبية بشكل قوي، وقد تتجاوز الاحتياطات الأجنبية لمؤسسة النقد واحد تريليون ريال سعودي قبيل نهاية هذا العام، يجعلنا نفكر جدياً في اتخاذ سياسات نقدية توائم المرحلة الحالية.
ولعلني أقترح خطوات تتمثل في الآتي:
1) إعادة تقييم سعر الريال مقابل الدولار، وهو أبسط قرار يمكن فعله في الوقت الحالي. فإذا كانت مؤسسة النقد غير قادرة على اتخاذ سياسات أكثر مرونة، فإن تقوية الريال السعودي بتغيير قيمته من 3.75 ريال لكل دولار ليصبح 3.65 ريال للدولار كما كان عليه عام 1986م أمر أصبح ملحا أكثر مما مضى، إذ إنه سيساعد على زيادة القوة الشرائية للأفراد والشركات، ويخفض فاتورة الواردات بشكل ملحوظ. وسيكون تأثير ذلك في الصادرات طفيفاً للغاية، لأن الصادرات التي لا تعتمد على التنافسية المتمثلة في انخفاض تكلفة عوامل الإنتاج والجودة، لا يمكن لها المنافسة على المستويين المتوسط والطويل، ناهيك عن أن معظم صادرتنا تصدر بأسعار أقل من الأسعار الدولية، وبالتالي فإن سعر الصرف ليس عاملاً مهماً في تحفيزها.
2) العمل بشكل جدي على تنويع سلة العملات الصعبة، وتكوين احتياطات من اليورو والين والجنيه الإسترليني، لمقابلة أي تغيرات نقدية عالمية في المستقبل المنظور.
ولعل تلكما الخطوتين ستسهلان مهمة صانع القرار مستقبلاً إذا أراد تحرير سعر الريال بربطه بسلة من العملات، أو تحريره بشكل أكثر مرونة. وفي الوقت نفسه، فإن تأثيرها في مجمل القطاعات لن يكون كبيراً. فقد نشهد بعض التغير في المدى القصير جداً، لكن مجمل الاقتصاد سيكون قوياً، وخصوصاً المستهلكين، الذي من المتوقع أن تزداد ثرواتهم الحقيقية بشكل يناسب قوة الاقتصاد المحلي. وقد يرتفع التضخم (الأسعار) في المدى القصير جداً، لكنه سيعود إلى الاستقرار بشكل سريع بعد امتصاص الصدمة بتغير سعر الصرف.
إن الذين ينادون بعمل دراسات بحثية لمعرفة تأثير ذلك في مجمل الاقتصاد سيجدون أن واقع تغيير الصرف في الدول التي مارسته يهدف في نهاية المطاف إلى تقوية اقتصاديات تلك الدول كما هو الحال في تركيا والمكسيك، ولا تحتاج المملكة إلى دراسات بهذا الشأن، حيث إن مجمل الأبحاث التي كتبت عن تغير سعر صرف الريال أو التوجه إلى عملة خليجية موحدة يشير إلى زيادة إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، وارتفاع الأجور الحقيقية، ما يجعل الاستفادة من إعادة تقييم الريال ليصبح أكثر قوة أمام الدولار أمرا أكثر إلحاحاُ في المرحلة الحالية، وبديلا فاعلا عن سياسة زيادة الأجور، أو التوجه إلى رفع سعر الفائدة لمحاربة تضخم مجمله مستورد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي