رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سياسات الطاقة الخضراء ومجلس أبحاث النفط

قبل صدور الأمر السامي بتكوين المجلس الأعلى لأبحاث النفط بأسابيع كنت قد كتبت عن انتصار خبراء ومؤيدي البيئة بعد مؤتمر البيئة الدولي الأخير، حيث أصبح الجميع مقتنعين ويستمعون أخيرا إلى ما كان هؤلاء الخبراء ينادون به منذ عقود. من الاحتباس الحراري إلى سيارات الطاقة الشمسية والإلكترونية والنيتروجينية إلى التوجه إلى بدائل الطاقة والوقود للتحول إلى توليد الطاقة بالمراوح أو التوربينات أو المراوح الهوائية ونفق الهواء والطاقة الشمسية. وكل ما هو ممكن للتخلص من زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو.
وأخيرا أصبح العالم مجبرا على الانصياع لاحترام البيئة بعد أن تأزم الموقف وزادت خطورته على حياة والإنسان وبقائه على هذه الأرض. فهل سيترك صدى ذلك التوجه سلبياته على المجلس ويؤدي إلى تهديد الإقبال على ثروتنا النفطية التي هي عماد اقتصادنا؟ لعل هذا المجلس يكون قد ولد في الوقت المناسب. فنحن وإن اعتقدنا أن إيجاد بدائل للطاقة سيستغرق وقتا طويلا وأنه ليس بالأمر السهل, كما أن تكلفته لن تنافس الطاقة النفطية. إلا أننا يجب أن نكون حذرين, فالعالم والتقنية يتطوران بسرعة كبيرة ولن نحس إلا بعد فوات الفوت. فهل نستسلم للأمر أم نركب الموجة معهم أم نصر على تطوير ما لدينا ومدى تأهلنا لتطوير استخدامات الطاقة قبل أن نجبر على ذلك وتفرض علينا ضرائب وعقوبات لكمية ما نلوث به الجو من غاز ثاني أوكسيد الكربون؟ فهل نرى نوعا من التحالف بين مؤسساتنا وخاصة المجلس الأعلى الاقتصادي ومجلس أبحاث البترول لتبني رؤية واضحة لوضعنا على مسار الاقتصاد الأخضر؟
ويقود هذا التوجه مجموعة من الشركات العملاقة, مثل شركات صناعة السيارات ومعدات الطاقة الشمسية تحت ضغط سياسي دولي.
فتطالعنا الصحف العالمية يوميا بتوجهات العالم نحو السيارات والمباني الخضراء. ويبدو أن هناك سياسات خضراء سنقبل عليها وأن التركيز على البدائل الجديدة للطاقة التي لا تؤثر في الاحتباس الحراري سيستمر تطوير الطاقة الطبيعية من الشمس والهواء والرياح والمياه والمواد العضوية الطبيعية مثل الكحول والسكر والحبوب الزراعية. وهو توجه قد يكون له منافسة اقتصادية هائلة وقد يكون مرتكزا لاقتصادات معظم الدول. وهو توجه في طريقين متوازيين الأول لتطوير بدائل الطاقة بأنواعها المختلفة والآخر لتوفير صرف أو إهدار الطاقة خاصة في الآليات والمكائن والسيارات والشاحنات والطائرات.
فصناعة السيارات تواجه اليوم تحديات كبيرة للتحول من الوقود النفطي إلى بدائل الطاقة الطبيعية بدءا ببعض المدن الأمريكية مثل نيويورك التي أقر عمدتها تحويل جميع سيارت الأجرة إلى نوع يستعمل الطاقة البديلة ( هاي بيرد) وأعطى الجميع فرصة خمس سنوات للتخلص من سيارات الوقود النفطي. وتلتها ولاية أونتاريو في كندا التي وضعت تاريخ 2015 آخر موعد للتحول. وبالطبع كان لذلك تأثيره في شركات السيارات مثل "فورد" و"كرايسلر", حيث إن معظم سيارات الأجرة هي من نوع الكراون فكتوريا والقراند ماركيز, ما سيؤدي إلى كساد في هذا النوع من السيارات, ما سيضطرها إلى رميها في أسواق الشرق الأوسط كمقبرة للصناعات التي تنتهي صلاحيتها.
ويقود التحول إلى مجال الطاقة البديلة شركة ابلايد ماتيريالز وهي أكبر شركة شرائح كمبيوتر أو أشباه موصلات باستثمار ما يقارب أربعة مليارات ريال وتوظيف أكثر من 500 مهندس فقط لتضع لها موقفا أو موقعا في صناعة الشرائح الشمسية لتنافس بها سويسرا. حيث تتوقع الشركة أن تنمو سوق الأجهزة التي تعمل بالطاقة الشمسية تريليون (أربعة آلاف مليار ريال سنويا). ونمت هذه السوق بنسبة 63 في المائة خلال هذا العام لأكبر عشر شركات تعمل في أجهزة الطاقة الشمسية. حيث إن تكلفة الطاقة الشمسية ضعف تكلفة الطاقة النفطية, ويتوقع الكثير أن تتساوى التكلفة بينهما خلال السنوات الخمس المقبلة.
كما تعهدت كبرى الشركات العالمية مثل "وول مارت", "جوجل", و"مايكروسوفت" على الحرص ما أمكن على استعمال الطاقة البديلة, خاصة الشمسية في جميع مبانيها.
وفي مجال التوفير في الطاقة واستعمالات المباني يعد المجلس الأمريكي للمباني الخضراء هو الذي يقود العالم حاليا للطاقة ومواصفات المباني الخضراء القياسية. تحت اسم ليد LEED. لدرجة أن معظم المدن الأمريكية مثل مدينة بوسطن وسياتل ونيويورك وشيكاغو مجبرة على الحصول على شهادة من المجلس قبل بناء أي مبنى متعدد الأدوار. وهي مواصفات تمس أكثر من 70 عنصرا ومادة بناء وتبدأ من أنظمة التخلص من النفايات أو تخفيضها إلى عمر المبنى وجودة المواد إلى نوع الزجاج العازل ومواد العزل. والتأكد من إحكام مجاري الهواء والتوصيلات وتقديم منتجات إضاءة لا تصدر درجة حرارة عالية وللحصول على جو داخلي مريح وبأقل التكاليف للطاقة. ويبدو أننا في المملكة والشرق الأوسط أصبحنا أمام الواقع وأننا مجبرون على السير خلف القافلة. فالأمور تزداد سوءا والعالم من حولنا لن يقف كالمشاهد دون أن يوقع علينا العقوبات تباعا.

وأخيرا قام مجلس مدينة تورنتو الكندية بالأخذ على عاتقه أن تغطي الأسطح الخضراء 50 إلى 70 في المائة من أسطح مدينة تورونتو.
وسياسات المباني الخضراء تركز على التوفير في الطاقة فقد توصلت بعض الشركات الأمريكية إلى تبني فكرة الأسطح الخضراء التي توفر 25 في المائة من طاقة التكيف. وهي أسطح عبارة عن حديقة عادية في السطح بعمق نحو عشرة سنتيمترات وتزرع عليها نباتات معينة لا تطول وليس لها جذور تخترق السطح ويتم عادة سقيها من مياه المطر وشبكة ري احتياطية في حالة قلة المطر.
ومن المتوقع أن نرى في القريب العاجل تطويرا لاستعمالات أكثر ابتكارا للطاقة الطبيعية. وخروج أنظمة ومتطلبات إجبارية للتخلص من الطاقة المضرة بالبيئة.
قد تكون هذه الظاهر في بدايتها ومازالت تحت البحث العلمي لمعرفة مدى جدواها واستمراريتها. ولكن يبدو لي أننا لا بد أن نفكر من الآن في تسخير بعض البحوث والجهود للدخول في هذا المضمار. فالاحتباس الحراري يبدو لي أنه شر لا بد منه. ونحن نعاني الحرارة الحالية فماذا يحمل لنا المستقبل؟ هل نعود إلى المباني الطينية والملاقف أم نطورها؟ أم نسخر بعض الدعم المالي لتطوير صناعة المكيفات الصحراوية التي مازالت بدائية, التي توفر كثيرا من الطاقة مقارنة بأنظمة التكييف الأخرى؟ حري بنا ومن خلال المجلس الجديد لأبحاث البترول أن نولي جزءا من ذلك لتطوير البحث في البدائل الحديثة والصديقة للبيئة قبل أن نضطر إلى استيرادها, خاصة الطاقة الشمسية التي نملك ثروة لا يستهان بها من طباخ التمر إلى الرمال التي يمكن الاستفادة من مادة السيليكون لصناعة الخلايا الضوئية. دعوة إلى المجلس الاقتصادي الأعلى ليضع يده مع مجلس أبحاث النفط لبلورة اقتصاد أخضر. ولتمهيد كود البناء السعودي الذي لم ير النور بعد ليتأقلم مع أنظمة البناء والعزل العالمية التي أحدثت بعد مؤتمر البيئة. فهل نكون روادا في صناعة الطاقة والمباني الخضراء؟ وهل نعيد حدائق بابل المعلقة؟ موضوع يستحق التفكير فيه لمستقبلنا ومستفبل أبنائنا. ودعوة إلى المسؤولين عن مدننا ومراكز البحث للحاق بالقافلة قبل أن تفوتنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي