الشركات النفطية الكبرى تتجه إلى ميدان الغاز وتكافئ حملة أسهمها

الشركات النفطية الكبرى تتجه إلى ميدان الغاز وتكافئ حملة أسهمها

مع تصاعد سعر الوقود بالنسبة للمستهلكين في الدول الغربية أثيرت قضايا التلاعب السعري واستهداف الشركات من قبل المشرعين الأمريكيين، كما اتضحت محدودية الفرص المتاحة أمام الشركات النفطية الكبرى لإعادة ضخ أرباحها في الصناعة مرة أخرى، ومن ثم أصبحت الخيارات محدودة ما بين استكشاف فرص العمل في ميدان صناعة الغاز أو التحول إلى الأسهم تعضيدا لموقف الشركة أمام مساهميها ومكافأتهم ورفع عائد ما تحققه الأسهم التي يملكونها.
سعر جالون البنزين تجاوز أكثر من ثلاثة دولارات في منتصف الشهر الماضي، بزيادة 15 سنتا عما كان عليه قبل عام، وفي الوقت الذي تحقق فيه أرباح الشركات أرباحا قياسية، الأمر الذي أعاد فتح باب النقاش حول الأسعار وأرجع الكرة مرة أخرى إلى الكونجرس، حيث تصاعدت الحملات المطالبة بإيجاد وسيلة لوقف تلاعب الشركات بالأسعار لتحقيق أرباح عالية على حساب المستهلك، وهي حملة تكاد تكون موسمية. وقبل عام بالضبط قامت ماريا كانتويل عضوة الكونجرس بإثارة تساؤلات ركزت على "إكسون موبيل" وأرباحها العالية.
على أن السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كانت الشركات بهذه القدرة، فلماذا سمحت بتدهور الأسعار خلال عقد الثمانينيات ومطلع العقد الماضي؟ بل ولماذا شهدت الأسعار بعض التراجع بعد التصاعد الكبير قبل عامين؟
الكثير من النواب الديمقراطيين والجمهوريين يعتقدون وجود شرير وراء كل هذه التحركات. ووصل الأمر بأحد الشيوخ الجدد، وهو بوب كاسي، ديمقراطي من بنسلفانيا، أن قدم مشروع قرار لوضع ضرائب على الأرباح المبالغ فيها وحددها بأكثر من 50 مليار دولار. والتقت اللجنة الاقتصادية المشتركة الخاصة في اجتماع تحت عنوان "تفكيك الشركات النفطية"، وتساءلت إذا كان المستهلكون تضرروا من عمليات الاندماج الضخمة التي شهدتها الصناعة، ومثلما حدث للشركات الكبرى أمثال "إكسون" و"موبيل"، "شيفرون" و"تكساكو"، و"كونوكو" و"فيليبس"، وكما لاحظ أحد الشيوخ وهو الديمقراطي شارلس شومر، فإن غياب المنافسة الحقيقية يمكن أن يؤدي إلى متاعب كبرى على المدى البعيد.
وتسعى لجنة التجارة الفرعية في مجلس النواب إلى إعداد جلسات استماع حول احتمال حدوث تلاعب في الأسعار، وأن البائعين يحصلون على ميزة غير عادلة بسبب ظروف السوق غير الطبيعية، وسيكون رئيس اللجنة النائب الديمقراطي بارت ستوبا من ميتشجان هو الذي قدم مشروع القانون، لكن اللغة المستخدمة تبدو عامة وغامضة ومن الصعب إنفاذها. فالمسودتان المطروحتان تدعوان المحققين الفيدراليين إلى النظر في حال حدوث تباين كبير بين الأسعار قبل وبعد ظروف الإمدادات في حالات الطوارئ، لكن دون تحديد لكلمة "كبير" وماذا تعني فعلا وكيف يمكن قياسها أو تعريف السعر الذي لا يعد عادلا أو الوسائل غير الشريفة.
من الناحية الأخرى فمن الطبيعي أن تسعى الشركات إلى تعظيم أرباحها والحصول على أكبر سعر يمكنها الحصول عليه، لكن هل يعد هذا تلاعبا سعريا؟ فمن المعروف أنه ليست هناك مرونة فيما يتعلق بالطلب على الوقود، ولا يستطيع المستهلكون تخفيض استهلاكهم فجأة عندما يرتفع سعر الوقود، فحدوث شح في الإمدادات يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع سعري حاد قد لا يصحبه تراجع في حجم الاستهلاك بصورة مباشرة.
أحد أسباب زيادة سعر جالون الوقود يتمثل في زيادة سعر برميل النفط الخام، لكن سعر برميل النفط الخام يحدد في السوق العالمية. وفي هذه فإنه حتى الشركات العملاقة أمثال "إكسون موبيل" يعدون لاعبين متوسطي الحجم على أفضل الفروض مقارنة بالشركات الحكومية أمثال أرامكو السعودية. وحتى منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" ليست لديها سيطرة مطلقة فقد ظلت تراقب السوق دون تأثير يذكر، وظلت تكافح لعدة سنين لرفع المعدل السعري إلى 20 دولارا للبرميل.
لجنة التجارة الفيدرالية كانت متشككة حول الاتهامات الخاصة بالتلاعب السعري. وفي العام 2004 درست تطور التغييرات في أسعار البنزين منذ العام 1991 وحتى نهاية العام 2003، وتوصلت إلى أن 85 في المائة من التغييرات السعرية التي تتجه إلى أعلى أو أسفل تعكس التغييرات في سعر النفط الخام.
هذا العام يبدو الوضع مختلفا، فسعر الخام أقل من مما كان عليه قبل عام، لكن سعر جالون الوقود لا يزال أعلى مما كان عليه قبل عام.
إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تتوقع أن يستقر سعر برميل النفط الخام عند 66 دولارا للبرميل خلال فصل الصيف مقابل 70 دولارا قبل عام، وأن جالون البنزين سيكون بنحو 2.95 دولارا مقابل 2.84 دولارا للجالون العام الماضي.
ويرى بعض محللي الصناعة أن الوضع يعكس المتاعب التي تعاني منها المصافي ونشاطها المتدني وبصورة عامة، فهناك موضوع الصيانة المستمرة خلال فترة الربع الثاني واحتياجات المعايير الجديدة الداعية إلى خلط الوقود بالإيثانول إلى جانب القضية الأساسية أن الطاقة التكريرية الأمريكية لم تواكب الطلب المتزايد، فقد أدى وجود تكريرية فائضة في مطلع عقد الثمانينيات وتدهور الأسعار بعد ذلك إلى إهمال الصناعة لهذا الجانب، وهو ما أثر في إمكانية التوسع في صناعة التكرير.
مع ضيق فرص العمل في ميدان الصناعة الأمامية تنقيبا عن النفط الخام وإنتاجه وتوزيعه بسبب سيطرة العديد من الحكومات عبر شركاتها الوطنية على هذا الميدان، بدأت الكثير من الشركات تتجه إلى ميدان الغاز، الذي يوفر فرصة تمكن للشركات الكبرى أمثال "إكسون موبيل"، "شيفرون"، "كونوكو فيليبس"، و"ماراثون" من توجيه جزء كبير من استثماراتها إلى ميدان صناعة الغاز النامي. ومع ما يتوافر لها من إمكانات تقنية وموارد مالية فإن الشركات الغربية الكبرى تجد أنها في موقف أكثر تنافسية مقابل الشركات الآسيوية التي تمكنت من إحداث اختراقات في صلاتها بالدول المنتجة، ولو أن التحديات لا تزال موجودة من قبل شركات حكومية ضخمة مثل "غازبروم" الروسية، التي تتمتع باحتكار ميدان الغاز في روسيا وتسعى إلى إيجاد موطئ قدم لها في الدول المستهلكة خاصة أوروبا الغربية والبيع مباشرة للمستهلك. وبرزت تحركات في الآونة الأخيرة لإقامة تكتل لمنتجي الغاز، وهو ما يمكن أن يكرر تجربة منظمة الأقطار المصدرة للنفط وإبعاد الشركات عن دفة القرار مثلما حدث مع النفط الخام.
ولفت جورج كيركلاند رئيس قسم الاستكشاف في شيفرون النظر بقوله في الاجتماع السنوي العادي للشركة في آذار (مارس) الماضي إن لـ "شيفرون" نحو 140 تريليون قدم مكعب من موارد الغاز. وبهذه الكمية الضخمة، فإن "شيفرون"، فإن الغاز الطبيعي سيلعب دورا مهما في عملياتها الإنتاجية المستقبلية. وخلال فترة العقدين المقبلين، يتوقع لنسبة الغاز الطبيعي في الإنتاج اليومي للشركة أن ترتفع من 30 في المائة إلى قرابة 45 في المائة.
وقبل عامين تمكنت "إكسون موبيل" من إضافة 1.7 مليار برميل من الغاز المكافئ إلى قاعدة احتياطياتها من الغاز الطبيعي في قطر. وتدريجيا أصبح الغاز الطبيعي مصدرا مهما لإمدادات الطاقة، فالطلب عليه ينمو بنسبة 1.7 في المائة سنويا وهي النسبة المتوقع استمرارها حتى 2030، في مقابل 1.4 في المائة بالنسبة للنفط الخام حسب كتاب رؤية سوق الطاقة الصادر عن "إكسون موبيل" العام الماضي. ومعظم الطلب سيكون مدفوعا بتوليد الطاقة الكهربائية، وتقدر بنحو 2.5 في المائة سنويا في الدول النامية، ما يجعلها تقترب وبسرعة من معدلات النمو في الدول الصناعية.
ويتوقع لسوق الغاز الطبيعي المسال أن يتسع إلى 70 مليار قدم مكعب عام 2030 من 15 مليار قدم في 2000 كما تقول "إكسون"، وهو ما يتيح للشركات المؤهلة صاحبة الموقع المتميز في الصناعة أن تلعب دورا رئيسيا في إقامة سوق دولية للغاز، ما يعني إضافة ناقلات جديدة، مرافق بنية أساسية لتسييل الغاز وخطوط الأنابيب، الأمر الذي يشير إلى تطورات كبيرة تنتظر الصناعة واللاعبين فيها.
لكن فيما يبدو على الشركات الكبرى التحرك بحذر مع الدول صاحبة الاحتياطيات، خاصة والبعض لا يحبذ وجود الشركات الأجنبية الكبرى أو السماح لها بلعب دور في هذا المجال، كما هو الحال مع "غازبروم". كما أن الوضع السياسي له قيوده، فنحو 15 في المائة من احتياطيات العالم من الغاز توجد في إيران، لكن بسبب مواجهتها مع الدول الغربية فإنها تشكل إغراء قليلا للشركات الغربية للإقبال إليها. وحتى ألاسكا تبقى قضية بسبب البعد البيئي اللازم وضعه في الاعتبار قبل البدء في عمليات تطوير.

الأكثر قراءة