تقدير المبادرات الإنسانية أحد الأساليب التنموية الفاعلة
بالتخطيط والتنفيذ الجيدين فقط يمكن تحقيق أهدافنا, وإذا كنا نهدف إلى استمرار الإنتاج وتجويد المخرجات فلدينا وسائل محدودة جدا أهمها على الإطلاق رفع معنويات القوى العاملة, وفي ذلك تكثيف برامج التأهيل والتدريب وهم على رأس العمل, ومحاولة احتضانهم في بيئات إبداعية خلاقة تقضي على ثقافة الخوف والتردد والعيب وتتبنى ثقافة إطلاق العنان للفكر والإبداع والتطوير لإشعارهم أنهم لبنات النهضة التنموية التي نعيشها. لقد كان هذا ديدن كثير من الدول الصناعية والمتقدمة أن مرد تطورهم السريع كان بناء رأس المال البشري والارتقاء بإنتاجيته من خلال التخطيط والتنفيذ على أساس أهداف واضحة ومن ثم تكريم القوى العاملة برفع مستويات الأداء ثم تصديرها كرؤوس أموال وليست أيد عاملة فقط. أما أوروبا الشرقية التي كانت تقبع تحت مظلة تشريعات متلاطمة أصبحت تسعى للاستقرار الاقتصادي مرتكزة على ثلاث ركائز أهمها زيادة إنتاجية الموارد البشرية من خلال برامج ومبادرات وطنية تحفيزية تصنع قياديين بجانب المهنيين والفنيين يستطيعون اقتحام سوق العمل ليتربعوا فيه لعقود طويلة مقبلة.
في الواقع أرى كثيرا من ذلك بدأ في مجتمعنا مما ينبئ بمرحلة مضيئة بإذن الله. إن ما يثلج الصدر ويبعث في النفس الأمل تهافت الشركات الضخمة والمؤسسات المدنية على القيام بما يدلل على الوطنية الحقة والشعور بدور له أهميته في تنمية الوطن بشكل مستديم. إن ظهور مبادرات كثيرة مثل تسليم الجمعية الخيرية لرعاية الأيتام في منطقة الرياض (إنسان)، تذاكر سفر للطلبة الأيتام المبتعثين إلى الخارج، بعد اختتام فعاليات الملتقى التوجيهي والإرشادي الذي نظمته الجمعية بالتعاون مع وزارة التعليم العالي وأكاديمية الفيصل العالمية أخيراً. وتنظيم جامعة الأمير سلطان رحلة طلابية دولية هذا الصيف إلى جامعة كانساس الأمريكية, حيث سيشارك فيها 12 طالبا بهدف توثيق العلاقات بين جامعة الأمير سلطان وجامعات عالمية أخرى مثل جامعة كانساس وجامعة هامبورج الألمانية, لهي إسهامات تنموية لا يمكن تمريرها دون أن تقدر وتبرز. مبادرة بنك الراجحي بتدريب 300 طالب خلال الصيف لتنشئة جيل يجمع بجانب قدراته الدراسية والتعليمية خبرة مصرفية ومحاسبية ستنقل هؤلاء الطلاب لمقاعد المقدمة وقد حظوا بخبرة كبيرة قبل أن يلتحقوا بالعمل. كما كان وسيظل لحفلات الزواج الجماعية للشباب في المناطق المختلفة وقع إيجابي وبادرة تشجيعية على شق طرقهم في الحياة دون تحمل تكاليف الزواج الأولية والتجهيزات مما يعكس سمو فكر المبادرين والعاملين فيها والممول أو الداعم فردا كان أو جماعة. وفي برنامج تواصل تم دعم 100 من بنات وأبناء السجينات بمنحهم مقاعد في دورات دراسة اللغة وتعلم الحاسب الآلي استشعارا من القائمين على البرنامج بأوضاع أبناء وبنات السجينات النفسية وتأهيلا لهم كي يواجهوا متطلبات الحياة بكل ثقة. أما ما يقوم به الشيخ عبد اللطيف جميل من مساع يكللها ببوادر خيرية وإنسانية نبيلة تؤكد ما قد قيل ويقال فيه في محافل كثيرة، حيث كرس اهتمامه في إنشاء مراكز للمسنين هنا ودعم استثمارات صغيرة هناك وافتتح مراكز ترفيهية هنا وخفف معاناة المعدومين هناك, ثم توج الجهود بمشاركته في المؤتمر السنوي الرابع لشبكة التمويل الأصغر في البلدان العربية. وهاهو الإعلام ينشر عن تحسن أوضاع كثير من العوائل ماديا في عدة دول عربية، حيث قامت بتنمية قراها وأريافها على الرغم من أن التجربة مازالت محدودة إلا إنها أسهمت أحيانا في تشغيل العمالة، مما يتوقع لها أن تؤثر في الاقتصاد الوطني لهذه الدول بشكل إايجابي.
مبادرات كهذه تبعث روح التنافس بين الموسرين من أبناء المجتمع ودفعهم للتخفيف على المعسرين وتسكين أنفسهم لينعموا بالطمأنينة. بالطبع لا يمكن إغفال دور الدولة فهي الأساس وهي المبادر الأول وما ثرواتنا اليوم إلا غرسها السابق فتكون ملكاً لأجيال الغد وتكون البرامج الوطنية سبيلا لتوفير معدلات ملموسة من الرفاه الإنساني يؤمل لها الاستدامة وإذا ما قام المجتمع بالحفاظ عليها فتنميته مستدامة لا محالة بإذن الله.
هذه ملامح من التنمية والمشاهد كثيرة وستستمر الإشادة بها وسنظل نقدرها لأن ذلك أقل ما يقال في حق بناة المشاريع التنموية. أملنا الآن أن يتم الالتفاف حول شباب الغد الذين رفعوا راية المملكة في أراض أمريكية وأوروبية وقارية متفردين بالمراكز المتقدمة باختراعاتهم وابتكاراتهم وأشغالهم الفنية في شتى المجالات. حاجتنا هي أن نكتشف نحن بدلا من غيرنا طاقات أبنائنا الكامنة ونسخرها لخدمة الوطن والاشتغال به لتنميته بدلا من فوز الآخرين من هذه الدول بعقود عمل معهم أو حكر استفادة أو استخدام لاختراع أو تصنيع أو ما أشبه. كما أن بعد أيام سيكون هناك الكثير من الطلبة والطالبات لن يقبل في الجامعات والكليات المختلفة بحجة ضعف المعدل ولكن منهم من يمتلك أنامل قادرة على الرسم والحياكة والإبداع في الأشغال اليدوية, ومنهم من تخرج وبرع في استخدام الحاسب والبرمجيات إلى حد التمكن والابتكار وينتظر فرصته ليأخذ مكانه في مسيرة التطوير ناقلا المجتمع بكامله من المستهلك للمنتج والمصنع, فما هو مصيرهم؟. آمل أن نستمر في تكريم المتميزين, واكتشاف المواهب وتحفيزها ودعمها واستثمار كل ما يمكن أن يدفع مسيرة العطاء في بلدنا المعطاء. والله الموفق.