رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


القروض الإنتاجية بين تعزيز الأرباح وخطر الإفلاس

[email protected]

"يا محلا الدين ومصعب سداده " مثل يتداوله الإخوة في بعض البلدان العربية، وهو يشير إلى المتعة الكبيرة التي يشعر بها المقترض لحظة الاقتراض لقضاء حوائجه والصعوبات التي يواجهها لسداد هذا الدين، خاصة أن عدم السداد يعني الدخول في مشكلات متعددة قد تفضي إلى السجن أو إعلان الإفلاس.
الأفراد يقترضون لمبررات متعددة تنحصر في سببين، الأول لتوفير متطلبات الحياة الأساسية والكمالية، والثاني لمواجهة المشكلات التي يتعرضون لها بشكل أو بآخر، والمنشآت التجارية تقترض لمبررات متعددة تنحصر هي الأخرى في سببين، الأول الرغبة في زيادة الأرباح، والثاني لمواجهة التزامات مالية ضرورية لاستمرارية المنشأة، وفي كلتا الحالتين تتباين الثقافة الاقتراضية، حيث يقف البعض على طرفي نقيض، فمن رافض لكل أشكال الاقتراض باعتباره خطرا كبيرا على الفرد أو المؤسسة، إلى مفرط في الاقتراض لأي سبب كان ودون ضوابط ومعايير، وبينهما فئة متوسطة، وهم قلة قليلة، تضع بند الاقتراض في مكانه الطبيعي وفق المعايير المتعارف عليها.
أحد المستثمرين يفخر بأن شركته غير مطلوبة ولو بريال واحد لأي جهة كانت، بينما يفخر مستثمر آخر بأنه استطاع اقتراض أموال تجاوزت أصوله المنقولة وغير المنقولة، فأيهما مصيب وأيهما مخطئ؟ ولماذا؟ وهل هناك خيار آخر أمثل؟
هذا السؤال دائما ما يتكرر على مسامعي وهو ما حدا بي إلى كتابة هذه المقالة لعلها تسهم في ترسيخ الثقافة الاقتراضية الصحيحة عند قارئها، ولعله يتوسع في الاطلاع على هذه القضية المهمة التي دفعت بعض الشركات إلى المزيد من النجاحات كما دفعت ببعض الشركات إلى الإفلاس وأبقت على بعض الشركات تراوح مكانها دون معدلات نمو تذكر.
تقول الأبحاث والدراسات والممارسات إن الشركة التي تعتمد على رأس المال فقط لن تنمو بالسرعة التي تنمو بها الشركات التي تعزز قدراتها المالية بالاقتراض من خلال الصيغ التمويلية المثلى، كما تقول أيضا إن الشركات التي تفرط في الاقتراض بما لا يتناسب وحجم أصولها المالية عادة ما تتعرض للإفلاس عند أي هزة شديدة لعدم قدرتها على التكيف مع هذه الهزات غير المتوقعة مما لا يمكنها من الوفاء بسداد القروض.
كما تقول كذلك إن الاقتراض الأمثل يجب أن يكون بين 50 و80 في المائة من قيمة أصولها المالية، وأن تلك النسبة تعتمد على نوعية القطاع وحجم الشركة ونوعية الأصول والوضع الاقتصادي للبلاد إذا كان يمر بفترة انتعاش أو فترة كساد أو تباطؤ اقتصادي إلى غير ذلك من العوامل.
إذن الوضع الأمثل يتمثل في الاقتراض الأمثل الذي يعزز رأس المال لرفع القدرات الإنتاجية بما يسهم في التوسع الإنتاجي الذي يجب أن ينعكس قطعا على الإيرادات والعائد على رأس المال، وهو ما ينعكس على رفع قيمة الأصول ليرفع أيضا القدرة الاقتراضية وهكذا في متتالية نمو وتوسع تدفع بالشركة إلى الأمام.
وبما أن الاقتراض الأمثل يقترن بقيمة الأصول المنقولة وغير المنقولة فإنه يتضح لنا هنا أهمية إيجاد آليات فاعلة في تقييم تلك الأصول بصورة حقيقية دون تهوين أو تهويل، ولذا جاءت شركات التقييم الائتماني التي تسهم مساهمة فاعلة في تمكين الشركة من تقييم أصولها تقييما أقرب إلى الواقع ما يمكنها من تحديد قدراتها الاقتراضية.
ولذا نجد الشركات الكبرى دائما تتعاقد مع إحدى شركات التقييم الائتماني من أجل تصنيفها ائتمانيا وفق المعايير العالمية لتتمكن من تحديد موقفها من الاقتراض، إذا كان حالة تفريط أو إفراط أو في الحالة الوسطي أو الحالة المثلى لكي تتخذ القرار المناسب الذي يمكنها من رفع قدراتها التنافسية، خصوصا أن المال عصب النمو.
وما نلاحظه على معظم مؤسساتنا وللأسف الشديد عدم التعامل مع شركات التقييم الائتماني ظنا منها أن مثل هذه التعاقدات مضيعة للمال والجهد والوقت، وهو ما يرفع درجة مخاطرها الاقتراضية من ناحية، كما قد يحرمها من فرص تمويلية من ناحية أخرى، وهي في كلتا الحالتين في وضع خاسر ومؤلم، لذا آمل من القائمين على الشركات كبيراتها وصغيراتها اعتماد سياسة اقتراضية معيارية لاغتنام الفرص المتاحة وتجنب المخاطر المحتملة في ظل قدرات مالية تتناسب والأصول التي تمتلكها الشركة لتتمكن من تحقيق أعلى درجات الإنتاج والنمو الممكنة بعيدا عن مخاطر الإفلاس، لا قدر الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي