الرشوة .. جريمة نكراء وهلاك للمجتمعات

الرشوة .. جريمة نكراء وهلاك للمجتمعات

دعا عدد من العلماء إلى تجنب التعامل بالرشوة ووصفوها بأنها جريمة نكراء ومرض خطير، وأبانوا أن الوقوع فيها يعد جريمة نكراء تترتب عليها عقوبات إلهية في الآخرة, وأشاروا إلى ضرورة متابعة من يتعامل بهذه الظاهرة السيئة التي تعد خللا يحدث في بعض المجتمعات المسلمة, وقالوا إن من يمارس الرشوة ويستمرئها يقع تحت طائلة اللعن الذي ذكره المصطفى, صلى الله عليه وسلم, وهو يتحدث عن الرشوة بقوله "لعن الله الراشي والمرتشي والرائش" وأهابوا بكل مسلم أن يكون ملتزما بأوامر الله مجتنبا نواهيه, وتطرقوا إلى عدة أمور أخرى.
وفي البداية أوضح الدكتور حسين آل الشيخ إمام وخطيب الحرم المدني أن الشريعة جاءت بكل المقومات الأساسية والركائز الأصيلة التي تحفظ مقاصد المسؤولية، وتدرأ عنها أسباب الانحراف وعوامل الشر والفساد. ومن هذه المقومات وتلك الركائز النهيُ الأكيد والزجر الشديد عن جريمة الرشوة أخذاً وإعطاءً وتوسُّطاً.
 ولعل ما يتم القيام به من ممارسة الرشوة هي في الواقع مَغْضبة للرب ومَجْلبة للعذاب، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: "لعن رسول الله الراشي والمرتشي"، رواه الترمذي وهو حديث حسن صحيح[1]. وفي المسند وغيره بسند حسن عن ثوبان - رضي الله عنه - قال: "لعن رسول الله الراشي والمرتشي والرائش"[2]. وتأسيساً على هذه الدلالات الصريحة ولما رواه الطبراني بسند جيد عن النبي أنه قال: ((الراشي والمرتشي في النار))[3]، تأسيساً على ذلك قال أهل العلم كالذهبي وغيره: "إن الرشوة كبيرة من كبائر الذنوب".
وأضاف أن الرشوةُ أكلٌ للأموال بالباطل، وتناولٌ للسحت، يقول - جل وعلا -: "وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة: 188]، ويقول - سبحانه - في شأن اليهود: "سَمَّـاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّـالُونَ لِلسُّحْتِ" [المائدة: 42]، يُروى عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: (بابان من السحت يأكلهما الناس: الرشا ومهر الزانية)[4] وهي داءٌ وبيل ومرض خطير، خطرها على الأفراد عظيم، وفسادها للمجتمع كبير، فما يقع فيها امرؤ إلا ومُحِقت منه البركة في صحته ووقته ورزقه وعياله وعمره، وما تدنَّس بها أحد إلا وحُجبت دعوته، وذَهبت مروءته، وفسدت أخلاقه، ونُزع حياؤه، وساء منْبَته، في الحديث: ((كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به)) قيل: وما السحت؟ قال: ((الرشوة في الحكم)) رواه ابن جرير وغيره[5] ، والرشوة تُسبب الهلاك والخسران للمجتمعات، تفسدُ أحوالها، وتنشر الظلم فيها، بل ما تفشَّت في مجتمع إلا وغابت عنه الفضيلة، وحلت فيه الرذيلة والكراهية والأحقاد، وما وقعت في أمة إلا وحلَّ فيها الغش محل النصيحة، والخيانةُ محلَّ الأمانة، والظلم محل العدل، والخوف محل الأمن. والرشوة في المجتمع دعوةٌ قبيحة لنشر الرذائل والفساد، وإطلاق العنان لرغبات النفوس، وانتشار الاختلاف والتزوير، واستغلال السلطة والتحايل على النظام، فتتعطل حينئذ مصالح المجتمع، ويسود فيه الشر والظلم، وينتشر بينه البُؤس والفقر والشقاء، وفي المسند مرفوعاً وله شواهد: ((ما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب))[6].
 وأبان فضيلته حقيقة الرشوة بقوله إنها كلُّ ما يدفعه المرء لمن تولَّى عملاً من أعمال المسلمين ليتوصَّل به إلى ما لا يحل له، وهي تأتي على صور كثيرة، من أعظمها ما يُعطى لإبطال حق، أو إحقاق باطل، أو لظلم أحدٍ من الناس. ومن صُورها دفع المال في مقابل قضاء مصلحةٍ يجب على المسؤول عنها قضاؤها دون هذا المقابل، أو هي كما قال بعض أهل العلم: ما يؤخذ عمّا وجب على الشخص فعله. ومن صورها أيضاً من رشا ليُعْطى ما ليس له، أو ليدفع حقاً قد لزمه، أو رشا ليُفضَّل أو يقدَّم على غيره من المستحقين.

من فضائل الأعمال الشفاعاتُ الحسنة
وأضاف فضيلته أن من فضائل الأعمال الشفاعاتُ الحسنة بالتوسط فيما يترتب عليه الخير من دفع ضر أو جلب نفع ابتغاءَ وجه الله، روى البخاري عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء))[10]. ولكن من شفع شفاعة حسنة حرُم عليه قبول الهدية عن هذه الشفاعة، جاء في سنن أبي داود بسند حسن عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هديةً عليها فقبلها فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا))[11]، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتُقضَى، فيهدي إليك هديةً فتقبلها منه)[12].
وشدد على أن الرشوةُ في الإسلام محرَّمةٌ بأي صورة كانت، وبأي اسم سُمِّيت، سواء سُميت هديةً أو مكافأة أو تركةً، فالأسماء لا تغيِّر من الحقائق شيئاً، والعبرة للحقائق والمعاني لا للألفاظ والمباني. 7].
أخبث المكاسب
ومن جانبه أكد الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء أن أخذ الرشوة من السحت ومن أشد الحرام ومن أخبث المكاسب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «لعن الراشي والمرتشي ولعن الرائش» ‏[‏رواه الإمام أحمد في ‏مسنده‏‏]‏ – وهو الساعي بينهما - واللعن يقتضي أن الرشوة كبيرة من أعظم كبائر الذنوب وهي من السحت‏‏ والله جل وعلا قال في اليهود‏‏ ‏( ‏سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ) ‏[‏المائدة‏‏ : 42‏]‏‏‏ قال تعالى‏‏ ‏( ‏وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) ‏ [‏البقرة‏‏ : 188‏]‏ وهذه الآية على أحد التفسيرين تعنى بالرشوة وتحذر منها‏‏ فالرشوة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وهي كبيرة من كبائر الذنوب ومن أكل منها؛ فقد أكل سحتاً واستعمل حرامًا يؤثر في أخلاقه وفي دينه وفي سلوكه‏‏ وقد جاء في الحديث‏‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم‏‏ « ‏ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب‏‏ ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام؛ فأنّى يستجاب له » ‏[‏رواه مسلم في ‏صحيحه‏‏‏]‏‏‏ وهذا حديث صحيح بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن أكل الحرام من الرشوة وغيرها يمنع قبول الدعاء وأن آكل الرشوة أو غيرها من الحرام لا يستجاب له دعاء, وهذا خطر عظيم؛ لأن أحدًا لا يستغني عن الله عزّ وجلّ طرفة عين فإذا قطع الصلة بينه وبين الله؛ ورد دعاؤه؛ فما قيمة حياته‏؟‏‏‏ وأيضًا؛ الرشوة ما فشت في مجتمع؛ إلا وفشا فيه الفساد وفشا فيه الخلل وتشتت القلوب والإخلال بالأمن وضياع الحقوق وإهانة أهل الحق وتقديم أهل الباطل وهذا يحدث في المجتمع ضررًا بيّنًا؛ فالرشوة من أخبث المكاسب وأثرها على الفرد والمجتمع من أسوأ الآثار‏‏ فعلى المسلم أن يتوب إلى الله إذا كان يتعاطى شيئًا من ذلك وعلى من عافاه الله منها أن يسأل الله عز وجل الثبات على الحق وأن يديم عليه العافية؛ فإنها جريمة كبيرة ومعصية ظاهرة وهي غش لولاة الأمور وغش للنفس وغش للمجتمع ويجب على ولاة الأمور أن ينكلوا ويردعوا المرتشين والراشين؛ كما لعنهم الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم‏.
ومن جهته قال الشيخ الدكتور سعود بن عبد الله النفيسان عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً إن الله حرم الرشوة التي بسببها يمنع صاحب الحق من حقه، وسماها الله في محكم التنزيل سحتاً وباطلاً، فقال –تعالى- عن اليهود:"سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ" [المائدة: من الآية42]، وقال –تعالى-:"وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" [البقرة:188]، ولعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- دافع الرشوة والمدفوعة إليه والواسطة بينهما. انظر ما رواه الإمام أحمد (2399) من حديث ثوبان –رضي الله عنه- والمجتمع الذي تنتشر فيه الرشوة تعم فيه الفوضى والبطالة والمحسوبية، وتنعدم أو تندر فيه الأمانة ويفشو فيه الكذب والخيانة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والواجب أن يمنع هذا المنكر، ويعاقب المتعاطون له، والمتعاملون فيه.

الأكثر قراءة