رفع الدينار الكويتي .. هل فشلت السلة؟
هلل الكثيرون للقرار الذي اتخذه بنك الكويت المركزي منذ أيام برفع قيمة الدينار الكويتي مقابل الدولار، وطالبوا بأن تحذو دول الخليج حذو الكويت وتخطو خطوات مماثلة، لقناعتهم بأن رفع سعر صرف الريال السعودي أو القطري، أو الدرهم الإماراتي، سيخفف من مشكلة التضخم في هذه الدول.
بعيداً عن العواطف، دعونا نناقش الأمر ببساطة ومن خلال نقاط واضحة ومحددة:
أولاً: في مقالات سابقة، وهي موجودة على الموقع الإلكتروني لهذه الصحيفة، بينت مساوئ رفع قيمة الريال ومحاسنه وتم استنتاج حقيقة مهمة وهي أن أمر رفع قيمة الريال ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، وأن الأمر يحتاج إلى دراسات متخصصة تشمل جميع مجالات الاقتصاد السعودي لتحديد صافي المنافع أو المساوئ، وأن مؤسسة النقد لا يمكنها الإعلان عن هذه الدراسات إن قامت بها، أو عن نتائجها، لأن مجرد إعلانها عن وجود دراسات سيؤدي إلى زيادة المضاربات على الريال في شتى أنحاء العالم.
ثانياً: أوضحت إحدى هذه المقالات أن التحول من ربط أي عملة خليجية بالدولار إلى ربطها بسلة من العملات لن يحل مشكلة انخفاض الدولار والتضخم الناتج عنه, لأن الدولار سيأخذ نصيب الأسد من السلة. قيام بنك الكويت المركزي برفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار يثبت فشل فكرة السلة! ففكرة السلة تهدف إلى استقرار العملة حيث إن انخفاض الدولار يقابله ارتفاع في العملات الأخرى. هذا الفشل يعود إلى أسباب عدة منها أن الدولار يمثل جزءاً كبيراً من السلة التي مازال محتواها سراً حتى الآن. ومنها أن تركيبة السلة لا تعكس السعر الحقيقي للعملة الكويتية، وأن هناك توقعات باستمرار الدولار في الانخفاض وأسعار النفط في الارتفاع. بعبارة أخرى، "سلة" و"رفع" لا يجتمعان إلا إذا كان هناك خطأ أو خلل.
ثالثاً: أوضحت إحدى هذه المقالات أن الكويت تختلف اختلافاً كبيراً عن دول الخليج الأخرى، الأمر الذي يخفض من الآثار السلبية لرفع قيمة الدينار مقابل الدولار. فالكويت أكثر اعتماداً على صادرات النفط من أي دولة خليجية أخرى. ليس هناك "سياحة داخلية" في الكويت كما هي الحال في السعودية والإمارات. وليس لدى الكويت قطاع غير نفطي يعتمد على التصدير كما هي الحال في السعودية. وليس لدى الكويت "مدن اقتصادية" كما هي الحال في السعودية وقطر. وليس لدى الكويت "مكة" و"المدينة". أما عمان والبحرين فإنهما تحاولان تقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل عن طريق التركيز على قطاعي الخدمات والسياحة. هذا يعني أن خسائر دول الخليج الأخرى من رفع سعر صرف عملاتها أكبر من خسائر رفع سعر صرف الدينار بالنسبة إلى الكويت.
رابعاً: أوضحت إحدى هذه المقالات أن أي رفع لسعر صرف أي عملة يجب أن يكون مفاجئاً لتفادي حدوث هزة اقتصادية نتيجة المضاربات على العملة المحلية. نجحت الكويت حتى الآن في مفاجأة الأسواق بقراراتها. فقرار فك ارتباط الدينار بالدولار في أيار (مايو) الماضي كان مفاجئاً، وقرار رفع سعر الصرف في الأسبوع الماضي كان مفاجئاً أيضاً. تواجه الكويت الآن ثلاث مشكلات تتعلق بسعر صرف الدينار. المشكلة الأولى أن سعر الدينار مقدراً بالدولار مازال أقل من قيمته الحقيقية، الأمر الذي يتطلب رفعه مرة أخرى. المشكلة الثانية أن الخبراء يتوقعون استمرار انخفاض الدولار، الأمر الذي يحتم رفع قيمة الدينار مرة أخرى. المشكلة الثالثة أن الخبراء يتوقعون استمرار أسعار النفط المرتفعة، الأمر الذي يسهم أيضا في رفع قيمة الدينار. فهل يستطيع بنك الكويت المركزي أن يستمر في مفاجآت الرفع؟
خامساً: رفع قيمة الدينار في الأسبوع الماضي، إضافة إلى ما ذكر في الفقرة السابقة، قد يعرض الكويت لذبذبات اقتصادية نتيجة هجمات قوية وسريعة للمضاربين على الدينار ثم تخليهم عنه. لا شك أن هناك منافع لقرار رفع قيمة الدينار في الأسبوع الماضي، ولكن هذا القرار سيعطي فرصة كبيرة للمضاربين حول العالم للمضاربة على الدينار الكويتي كلما انخفض الدولار أو ارتفعت أسعار النفط لتوقعهم أن بنك الكويت المركزي سيرفع قيمة الدينار مقابل الدولار. بعبارة أخرى، قد تكون خسائر الاقتصاد الكويتي نتيجة المضاربات أكبر من منافع رفع قيمة الدينار.
سادساً: تجاهل من رحب برفع قيمة الدينار وطالب بأن تحذو الدول الخليجية حذو الكويت حقيقة مهمة وهي أن منافع ربط الدينار بسلة بدلاً من الدولار، ثم رفع سعر الصرف مقابل الدولار في الأسبوع الماضي كانت بسيطة جداً حيث لم تصل نسبة الارتفاع حتى الآن 1 في المائة، وهذا ما يفسر عدم انخفاض معدلات التضخم في الكويت رغم كل هذه التغيرات.
سابعاً: يرى البعض أن ربط كل عملات دول الخليج بسلة من العملات سيخفض من تجارتها الخارجية المسعرة بالدولار، الأمر الذي يزيد من فوائد الربط بسلة من العملات. هذه الفكرة صحيحة نظرياً فقط لأن فشل بنك الكويت المركزي في تحديد مكونات السلة بشكل صحيح رغم خبرة 27 عاماً تم فيها ربط الدينار بسلة من العملات يوضح صعوبات تطبيق السلة على أرض الواقع، خاصة في دول ليس لها خبرة في هذا المجال على الإطلاق مثل السعودية والإمارات.
ثامناً: لا بد من ذكر خمس حقائق مهمة. الأولى أن انخفاض الدولار هو أحد أسباب ارتفاع معدلات التضخم في دول الخليج، وليس وحده المسؤول عن التضخم. الثانية أن المشاريع التنموية تسهم في رفع مستويات النمو الاقتصادي، وترفع الدخول، وتخلق الوظائف، ولكنها تسهم أيضاً في رفع مستويات التضخم. الثالثة أن مشاريع البنية التحتية والمشاريع التنموية تتطلب سيولة ضخمة، وهذا بدوره يسهم في زيادة التضخم. الرابعة أن هناك سياسات نقدية ومالية عديدة غير رفع أسعار الصرف، إضافة إلى سياسات اقتصادية تسهم في زيادة المنافسة ومحاربة الاحتكار، تسهم في كبح جماح التضخم، ولكنها إن استخدمت فإنها تتطلب وقتاً طويلاً نسبياً حتى يلمس المواطن نتائجها. الخامسة أن المواطن الذي يعاني التضخم يريد حلاً آنيا ولا يهتم بالحلول طويلة المدى. نتيجة هذه الحقائق الخمس هي أن التضخم سيبقى، على المدى القصير على الأقل، سواء تم رفع قيمة الريال أم لا.
الخلاصة
رفع سعر صرف الدينار الكويتي مقابل الدولار في نهاية الأسبوع الماضي أثبت فشل الفكرة القائلة إن ربط العملة المحلية بسلة من العملات سيحل مشكلة انخفاض قيمة الدولار. كان على الكويت أن تختار سعر صرف أعلى للدينار عندما قررت العودة إلى تحديد سعر صرف الدينار بسلة من العملات بدلاً من الدولار في أيار (مايو) الماضي. لو قامت بذلك لتفادت رفع قيمة صرفه في الأسبوع الماضي، وتفادت هجمات المضاربين على الدينار في المستقبل، وخفضت فاتورة الواردات بشكل ملحوظ. ما فعله بنك الكويت المركزي في الأسبوع الماضي وضع البنك في مأزق .. و يبدو أن أفضل طريقة للخروج منه هي ..... إجازة طويلة.