التخصيص بين التوقيت والجاهزية
تعد نظريات التحول الاقتصادي التطبيقي من أهم النظريات ذات الاهتمام في الأوساط العالمية والعلمية، ويأتي هذا الاهتمام في ظل تزايد الجدل حول دور الحكومات في دفع عجلة الاقتصاد من خلال التخلي عن دورها التشغيلي لكثير من القطاعات لتحولها إلى شركات قطاع خاص، ويبقى دور الدولة في التشريعات، مما يعني المساهمة بزيادة النمو الاقتصادي من خلال تشريعات وأنظمة تضمن استمرار ذلك النمو.
وعلى الرغم من شيوع استخدام مصطلح التخصيص في العديد من الأوساط، فإنه يحمل تفسيرات وتطبيقات كثيرة تخلص إلى نتيجة مفادها أن الدور الحكومي في العمل المباشر يقل ويزيد دور لاعبين جدد في تقديم تلك الخدمات، وتختلف التطبيقات باختلاف السياسات الاقتصادية للدول التي تنتهج الخصخصة للنمو الاقتصادي. فهناك مدارس في التخصيص تقترح بيع أصول عامة إلى القطاع الخاص، وفي مدارس أخرى يتم تحويل الإدارة إلى القطاع الخاص وبعضها يطبق الاثنين معاً.
إن المفهوم الأزلي للتخصيص يعني انتقال الأصول الثابتة من ملكية الدولة إلى ملكية خاصة تهدف إلى الربح وتمارس الأعراف والتقاليد في الأوساط التجارية بما فيها المنافسة الكاملة. إن المتابع للتجارب الدولية في التخصيص يعي خطورة أو صعوبة الانتقال من مؤسسة حكومية تتمتع بالدعم الحكومي إلى جهة ربحية تسعى إلى إرضاء المستثمرين والمساهمين على حد سواء. هذا الانتقال يؤثر في مختلف قطاعات الحياة في أي دولة كانت لما لهذه المؤسسات الجديدة من تأثير في الدولة من جهة وفي السوق التنافسي والمستهلكين في الطرف الآخر أو بمعنى أدق الانتقال من الاحتكارية إلى المنافسة الكاملة.
وهنا نستشهد بمثال لإحدى أهم التجارب الدولية في التخصيص أو لنقل من أكثر تجارب التخصيص جدلاً على المستوى العالمي خلال القرن العشرين، بغض النظر عن المنظور السياسي لتفكك الاتحاد السوفياتي كنتيجة للحرب البارة إلا أن فشل التجربة الروسية للتخصيص انصب بالدرجة الأولى على عدم استعداد الدولة والمجتمع للنقلة النوعية من الاشتراكية إلى الرأسمالية وعدم استيعاب التجربة على المستويين الحكومي والشعبي. هذا الفشل فسره البعض على أساس أن روسيا لم تكن مستعدة بوجود إدارات دعم التخصيص، إضافة إلى عدم وجود صناعه مالية (بنكية) قوية خلال فتره التخصيص لدعم الاستقرار الاقتصادي ولإعطاء ثقة أكبر للمستثمرين. هذا الفشل قاد إلى إفلاس مئات الشركات الروسية وتسريح آلاف العمال وانهيار شبه كامل لأهم اقتصاديات العالم خلال أوائل التسعينيات وهو ما كان نتيجة متوقعة وطبيعية للضعف الواضح للحكومة الروسية في ذلك الوقت هو ما جعل نقلة الخصخصة سريعة وغير محسوبة العواقب ومن أهم مشاكلها الضعف الواضح لحساب القيمة المضافة للحكومة في حقوق الملكية أو ما يسمى state-owned enterprises (SOEs).
إننا ونحن نعيش في فتره انتقالية للاقتصاد السعودي وهي الفترة التي تشهد بداية ثورة التخصيص ابتداء من "سابك" و"الكهرباء" مروراً بالتجربة الأكثر تأثيراً في الشارع السعودي وهي الاتصالات واستمرار طرح الشركات الجديدة ذات الصبغة الحكومية، وكذلك ونحن الآن في انتظار باقي منتجات التخصيص كالتعليم والصحة والتحلية أضيف لها جميعا وجود مشرع مالي على مستوى الأدوات بوجود هيئة الأسواق المالية كإحدى المؤسسات الحكومية الداعمة لمفهوم التخصيص، وهو ما افتقدته التجربة الروسية، إضافة إلى أن اقتصادنا الرأسمالي وسوقنا المفتوح من الأزل يجعلنا بإذن الله في منأى عن الآثار الارتدادية السلبية. إننا في هذه الفترة في أمسّ الحاجة إلى أن نعي حجم هذه التغييرات والعمل على تقليل الأثر السلبي للتغيرات التي تحدث في مجتمعنا على الصعيدين الاقتصادي والتقليدي وتكريس الجهد في سبيل الرقي بالوطن ومقدراته. ما أود قوله هنا إننا قد نكون تعلمنا من التجربة الروسية الجزء السلبي من الفشل الإداري الروسي للتخصيص، وهو أمر يستحق التوقف والمراجعة لضمان التعلم من التجارب وضمان التقليل من الآثار السلبية لأي عملية اقتصادية.