هل تتكامل البنوك مع صندوق المئوية في تنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة؟
تعاني البنوك المحلية سمعة سيئة لدى المواطنين باعتبارها بنوكا مدللة وجشعة تغلب مصالحها الضيقة على المصالح العامة، ذلك بأنها تقدم منتجات خدمية تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق أهدافها الربحية الجنونية التي وصلت في بعضها إلى أكثر من 100 في المائة دون النظر إلى الآثار السلبية الموازية والمدمرة للبيئة الاستثمارية وللأفراد من مواطنين ومقيمين.
واتضح ذلك الجشع المقرون بالإهمال الشديد للمصلحة العامة، حيث الرغبة في تحقيق الأهداف الخاصة وإن كان ذلك على حساب مصالح معظم الأطراف الأخرى، أقول اتضح ذلك في حجم القروض الاستهلاكية التي تجاوزت 160 مليار ريال ذهب معظمها كتسهيلات بنكية لشراء الأسهم الفقاعية, إضافة إلى شراء الديون من المستوردين, كما هو الحال في شراء ديون شركات السيارات, ما يعزز الاستيراد على حساب التصدير.
البنوك تعتقد أن المواطن من السذاجة بمكان حيث يمكنها تجميل قباحة ما فعلت ببعض برامج خدمة المجتمع بدعم بعض الجمعيات الخيرية والمؤسسات التنموية غير الربحية ببضعة ملايين من الريالات لا تشكل واحدا من المليون مما حققته من أرباح على حساب المواطن والوطن والبيئة الاستثمارية، وهي في ظنها هذا واهمة، وستثبت الأيام أن المواطن سينتقل للبديل الأفضل حال احتدام المنافسة من قبل البنوك الأجنبية كما هو الحال مع شركة الاتصالات التي أصيبت بإسهال التنازلات ولكن دون جدوى, حيث أصبحت "موبايلي" تهيمن على 30 في المائة من سوق الجوّال، وسيكون وضع شركة الاتصالات أسوأ حال دخول المنافس الجديد.
وأكاد أجزم أن الطريق السليم لبنوكنا المحلية لتحسين سمعتها وتحقيق رضا المواطن هو التوجه لتقديم خدمات تحقق مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على آخر، إذ عليها أن تقدم منتجات خدمية ذات آثار موازية إيجابية في المواطن وفي المستثمر وفي البيئة الاستثمارية، وعليها أن تجد صيغا تعاونية لهذه المنتجات, وإن بدا لها صعوبتها في أول الأمر.
ومن أفضل المنتجات التي يمكن أن تقدمها البنوك التمويل الإنتاجي بديلا للتمويل الاستهلاكي الذي أهلك الفرد والمجتمع والاقتصاد معا، إضافة إلى تقديمها صيغا تمويلية تمكن المقترض من شراء الأصول الرأسمالية كالمنازل المتعاظمة مثلا بدلا من السيارات المتهالكة, التي توسعت البنوك في تمويلها حتى أصبحت الدفعة المقدمة لشراء السيارة ريالا واحدا.
ومن أفضل القروض الإنتاجية هي تلك القروض التي تمكن الشباب السعودي من إقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة تمكنهم من توظيف أنفسهم وغيرهم بما يعزز القوة الإنتاجية على حساب القوة الاستهلاكية، وهي غاية صندوق المئوية الذي أنشئ بأمر ملكي بهدف مساعدة الشباب السعوديين من الذكور والإناث على تحقيق استقلال اقتصادي من خلال إقامة مشاريع خاصة تكفل توظيف أنفسهم وغيرهم من المواطنين السعوديين.
البنوك تتذرع دائما بأن درجة المخاطرة في هذا النوع من القروض عالية جدا وأنها لا تضمن حقوق المودعين إذا تخلف أو تقاعس المستفيد عن السداد، وهي أعذار واهية تنم عن الرغبة في تحقيق أرباح من البدائل الأسهل وإن كانت على حساب الوطن والمواطن والتقاعس عن التوجه إلى بدائل تحتاج إلى القليل من الجهد لبناء هياكل تحفظ حقوق الأطراف كافة.
ولكي أوضح ذلك أقول إن بإمكان البنوك بناء علاقة تكامل مع صندوق المئوية (الذي يعد حاضنة مشاريع غير ربحية) تعزز فرص نجاح المشاريع من خلال آلية التمويل والتدريب والإرشاد، بحيث لا تقرض البنوك الراغبين في تطوير أفكارهم إلى مشاريع إلا بعد موافقة صندوق المئوية الذي شرع في فتح فروع له في أنحاء المملكة كافة في فترة وجيزة، حيث يتعين على صندوق المئوية دراسة المشاريع واعتمادها واحتضانها حتى تصبح ناضجة.
ختاما أقول إن الفرصة سانحة للبنوك لتحسين صورتها من خلال نوعية منتجاتها ذات الآثار الموازية الإيجابية في الوطن والمواطن، وأن الأرضية التي تمكنها من ذلك متوافرة، وما عليها إلا بذل الجهود لإيجاد هياكل تمكنها من تحقيق أهدافها الربحية بتحقيق أهداف الأطراف كافة، وهذا ممكن ومتاح إذا خصلت النيات واستحضرت العزائم، والمنافسة قادمة والمواطن أصبح أكثر نضجا وستكون له كلمته تجاه من يتحمل مسؤولية وتجاه من يتقاعس عن أدائها.