إنتاج الكهرباء من الغاز والنفط أعلى 17 مرة من تكلفة التوليد بالطاقة النووية
الحقيقة أن استخدام الطاقة النووية لتوليد الطاقة الكهربائية تلقى ضربتين هزتا العالم، الأولى في أمريكا في حادثة جزيرة الأميال الثلاثة عام 1979م، والثانية حادثة تشرنوبل في أوكرانيا عام 1986م. بعد هاتين الحادثتين أحس العالم بالقلق من استخدام هذا النوع من الطاقة، ولكن مع تطور علوم السلامة وقواعدها في المحطات النووية والصرف عليها بشكل كبير بدأ العالم يتجاوز هذه التجارب القاسية ويتناساها.
إن صعود أسعار الطاقة الأحفورية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وتعقد المسائل المتعلقة بانبعاث مركبات الكربون إلى الأجواء (بروتوكول كيوتو) قد أسهم في تشجيع الكثير من الدول، إما بزيادة طاقتها النووية (إن كان لديها برنامج نووي)، وإما بالبحث عن مصادر الطاقة النووية إن لم تكن تملك التقنيات اللازمة سلفاً.
تظل مشكلة النفايات النووية مشكلة مثيرة للجدل خاصة فيما يتعلق بقضية التخلص منها، واحتمالية تسرب الإشعاع منها بطريقة تلقائية أو بطرق إجرامية. ومن أكثر الأمور تعقيداً فيما يتعلق ببناء المحطات النووية هي إذا ما انتهى العمر الافتراضي للمحطة، وهو يتراوح بين 50 و70 عاما للمحطات الحديثة، فكيف يتم التعامل معها خاصة إذا ما علم أن الموقع والمعدات ستحتوي على الإشعاعات الخطيرة، وهذا ما يعرف بتفكيك المحطات النووية بعد انتهاء عمرها، وعادة ما تكون تكلفة هذا التفكيك عالية لأنها تتطلب إعادة تأهيل الموقع وتنظيفه من المواد الإشعاعية، بحيث يصلح للاستخدام الآدمي.
كثير من الدول، خاصة الإسكندنافية وفرنسا وغيرها، قطعت أشواطا بعيدة في هذا المجال، وتمتلك خبرات كبيرة يمكن الاستفادة منها. الإنشاء المبدئي لهذه المحطات قد يكون مكلف نوعاً ويتطلب الكثير من الدقة والحرص خاصة في الأمور المتعلقة بالسلامة، ولا ننسى أن اختيار الموقع يجب أن يتم بعناية فائقة وتأمين الحماية اللازمة أمر شديد الضرورة.
إن تسارع الدول لاحتلال مكان مرموق بين دول العالم في إنتاج الطاقة من التكنولوجيا النووية نابع من إدراكها بفعالية هذه التكنولوجيا مقارنة باستعمال الطاقة الأحفورية. فعلى سبيل المثال الكيلو جرام الواحد من اليورانيوم قادر على إنتاج كمية من الطاقة ما يعادل حرق 20 ألف كيلو جرام من الفحم الحجري. هذا طبعاً عدا كميات الكربون الهائلة التي يبعثها احتراق المواد الأحفورية إلى الأجواء محدثة قلقاً عالمياً يتعلق بالتغيرات المناخية والتلوث البيئي.
ويجب ألا ننسى أن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي ووصوله إلى حدود 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية واستمرار تصاعد أسعار النفط ووصولها إلى حدود 70 دولارا للبرميل جعل من الطاقة النووية طوق نجاة لكثير من دول العالم، حتى اعتبرت بعض هذه الدول أن حصولها على التكنولوجيا النووية أصبح أشبه بقضية وجود أو عدم وجود.
ويعرض الشكل (1) تكلفة إنتاج الطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة من العديد من مصادر الطاقة، ويستطيع القارئ أن يقارن بين تكلفة الإنتاج من الطاقة النووية، وهو ما يعادل 1.72 سنت لكل كيلووات ساعة عام 2005م، وأما تكلفة الإنتاج باستخدام الفحم الحجري فقد قارب 2.21 سنت. ما يهمنا هو تكلفة إنتاج الكهرباء بواسطة الغاز الطبيعي والنفط، لأنه أشبه بالوضع السعودي، حيث يجرى توليد الطاقة الكهربائية بواسطة هذين المصدرين ولا وجود للفحم الحجري كمصدر رئيس للطاقة في المملكة.
الشكل يعرض بوضوح تكلفة الإنتاج بواسطة الغاز والنفط، حيث وصلت إلى نحو ثمانية سنت لكل كيلووات ساعة، أي أكثر من تكلفة الإنتاج بواسطة الطاقة النووية بنحو خمسة أضعاف.
هذه الدراسة المنشورة بواسطة معهد الطاقة النووية مبنية على أسعار 2005، وكلنا نعلم أن أسعار الغاز والنفط الحالية (مايو 2007) قد زادت بنسبة كبيرة عن 2005م، ما يعنى أن تكلفة إنتاج الكهرباء من الغاز والنفط قد تكون أكثر بسبع إلى عشر مرات من التكلفة بواسطة الطاقة النووية. أما بالنسبة لحساسية تكلفة توليد الطاقة الكهربائية لأي تذبذب في أسعار الوقود المستعمل، فأظهرت دراسة مبنية على المحطات في فنلندا أن زيادة أسعار الوقود النووي بأكثر من 100 في المائة لا يؤثر كثيراً على تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة النووية. أما الزيادة نفسها في أسعار الغاز الطبيعي فقد أدت إلى زيادة تكلفة توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي أكثر من 60 في المائة. ولهذه الأسباب نرى العديد من دول العالم قد هبت لتحسين إنتاجها أو خبراتها في مجال الطاقة النووية ضاربة بمشاعر وتخوف بعض دول العالم الرئيسة عرض الحائط.
جدول (1) يعرض إنتاج دول العالم الرئيسة للطاقة الكهربائية من التقنيات النووية. يملك العالم حالياً ما يقارب 442 مفاعلاً نووياً مولدة ما قيمته نحو 16 في المائة من كهرباء العالم. الولايات المتحدة تملك أكبر عدد من المفاعلات النووية (نحو 104 مفاعلات)، ومن الممكن أن تضاف إليها 13 أخرى. ومن خارج دول الاتحاد الأوروبي يبدو واضحاً أن اليابان بـ 55 مفاعلا تحتل مكانة عالمية ومتقدمة، ولكن لا يوجد نية لزيادة طاقة اليابان من الطاقة النووية.
وبحسب التقرير العالمي للطاقة (جدول 1) فإن أكبر زيادة متوقعة في توليد الطاقة النووية سيكون من نصيب كل من أمريكا، روسيا، الصين، الهند، وكوريا الجنوبية. هذه الدول تولد الآن نحو نصف الطاقة النووية المنتجة عالمياً. إلا أن هذه الحصة ستزداد بحلول عام 2030م لتصل إلى ثلثي الإنتاج العالمي من الطاقة النووية.
ومن الجدير ذكره أن الدول التي أثبت تملكها للطاقة النووية اللاسلمية هي قليلة جداً ويتراوح عددها بين سبعة وثمانية دول، وتتصدر هذه الدول الولايات المتحدة بوجود أكثر من 100 محطة نووية، تليها فرنسا بـ 59 محطة، روسيا 31 محطة، بريطانيا 19 محطة، الهند 16 محطة، الصين 15 محطة، وباكستان محطتان، وقد توجد دول أخرى لكنها لم تسجل في السجلات الرسمية للدول التي تمتلك أسلحة نووية.
ويرى كثير من المراقبين أن تحويل النشاط النووي السلمي إلى نشاط عسكري غير صعب إذا عرف خصائص هذا العلم النووي. وهذا ما يجعل الغرب يتوجس خيفة من تملك بعض الدول، التي لا يرتبط معها بعلاقات ودية، تقنيات الطاقة النووية ولو للأغراض السلمية.
ما يهمنا هي دول الشرق الأوسط، ويعرض الجدول رقم 2 أهم الدول التي لها تطلعات نووية. فمفاعل إيران النووي مازال تحت الإنشاء، ومازالت إيران ما بين كرّ وفرّ مع الدول الغربية والمنظمة الدولية للطاقة النووية.
والجدير بالذكر أن هناك خمسة مفاعلات أخرى تحت الدراسة والطلب. وتركيا ماضية قدماً في التخطيط لإنشاء ثلاثة مفاعلات نووية، ومصر أعلنت في الفترة الأخيرة عن رغبتها في امتلاك الطاقة النووية السلمية. أما إسرائيل فمن المؤكد أنها تمتلك أسلحة نووية وليس مجرد طاقة سلمية.
مع تسابق دول العالم إلى تملك هذا النوع من طاقة المستقبل، يحق لنا أن نتساءل: أين دول الخليج العربية من هذا التسارع لامتلاك هذه الطاقة؟ وما خططها لعصر ما بعد النفط؟ وهل هي على دراية من أن تملك مثل هذه الطاقة يحتاج إلى إعداد برامج جسورة ومسؤولة لعشرات السنوات قبل البدء الفعلي لإنشاء أي محطة نووية؟ قد يكون لدور الهيئات العلمية في دول الخليج من جامعات وغيرها دور رئيس من المنتظر أن تلعبه في خدمة بلدانها.