رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


معاقبة من يرغب في دراسة الطب

[email protected]

صدمت وأصابتني الحيرة من إعلان وزارة الصحة المنشور في عدد من الصحف السعودية على مدى أيام عديدة بشأن بدء القبول للسنة الدراسية الجديدة في كلية الطب في مدينة الملك فهد الطبية في الرياض, كون الإعلان يذكر أن أحد شروط القبول تعهد الطالب بدفع الرسوم الدراسية. فلم يكن بوسعي أن أتصور أن يبلغ سوء تقديرنا وعدم قدرتنا على تحديد أولوياتنا حد تضييق الخناق على من يرغب من أبنائنا في دراسة الطب، بحرمانه من كل المميزات التي يحصل عليها الطالب الجامعي وإلزامه بدفع رسوم دراسية. ونحن نعاني شحا شديدا في الكفاءات الوطنية الطبية يفترض أن نصبح معه شديدي الحرص على تشجيع كل طالب يرغب في الانخراط في هذا المجال لا أن نضع العراقيل أمامه ونشجعه على الالتحاق بتخصصات قد لا نحتاج إليها أو قد لا تكون الحاجة إليها مماثلة لحاجتنا إلى الأطباء، خاصة نحن نواجه صعوبة في تأمين احتياجاتنا من الأطباء حتى من أفقر بلدان العالم بسبب الطلب المتزايد على هذه المهنة عالميا. وإنها لمفارقة غريبة عجيبة أن تبلغ تكلفة تشغيل هذه المدينة الطبية ما يزيد على مليار ريال ثم نعجز عن تحمل حفنة من الريالات ترفع عوائد هذا الاستثمار الضخم المكلف جدا من خلال تشجيع الراغبين في دراسة الطب بمساواتهم، على أقل تقدير، بزملائهم الملتحقين بكليات الطب الأخرى، فهذا المبلغ الزهيد الذي سيجبى منهم لا يشكل حتى جزءا يسيرا من تكلفة تشغيل هذه المدينة الضخمة أو حتى التكلفة الفعلية لتأهيلهم، وكل ما يحققه لنا هو ابتعاد الطلبة المؤهلين عن الالتحاق بهذه الكلية واستقطابها فقط من لم يجد فرصة أخرى بسبب تدني مستوى تأهيله، ما يسهم في تدني مستوى مخرجاتها وبالتالي إفشال فكرة رائعة تظهر وعي القائمين على وزارة الصحة بأهمية تضخيم عوائد استثمارات الوزارة في المستشفيات المتميزة التي تديرها، إلا أن التوفيق لم يحالفهم في تنفيذها.
فاستثمارات الدولة الضخمة في القطاع الصحي وفرت كفاءات عالمية نادرة في العديد من المستشفيات المتقدمة في بلادنا، كمستشفى الملك فيصل التخصصي والمستشفيات العسكرية ومدينة الملك فهد الطبية وغيرها، وإنشاء كليات الطب في عدد من هذه المستشفيات المتقدمة يتيح لنا تضخيم عوائد هذا الاستثمار ويزيد من قدرتنا على تأمين حاجاتنا من الكوادر الطبية الوطنية المؤهلة، ومن غير المقبول أن يتم إفشال برنامج طموح كهذا بتبني فكرة ساذجة تقترح فرض رسوم على من يرغب في دراسة الطب في هذه المستشفيات التي لم تبخل الدولة في تأمين احتياجاتها كافة، غير مدركين أن الدولة تنفق مليارات الريالات على برنامج ابتعاث خارجي يعاني مشكلات جمة، والعديد من المبتعثين يدرسون في مجالات لا تقارن على الإطلاق بالمجال الطبي، بل إن جزءا كبيرا منهم عاد دون أن يتمكن من تكملة تعليمه، بينما من يرغب في دراسة الطب في بلادنا في منشآت صحية وفرت لها الدولة كل الإمكانات نعاقبه بحرمانه من حقوقه كطالب جامعي ونطالبه بدفع رسوم دراسية، رغم أن رسوم 50 طالبا ملتحقا بهذه الكلية قد لا تصل حتى إلى تكلفة طالب واحد مبتعث في تخصص غير مطلوب وملتحق بجامعة أجنبية مستواها قد يكون حتى متواضعا.
وحيث إن خريجي الثانوية العامة على وشك البدء في البحث عن قبول في الجامعات، ولما توليه قيادتنا الرشيدة من حرص شديد على تشجيع التحاق أبنائنا بالمجالات التي تحتاج إليها سوق العمل وتضخم عوائد استثماراتنا في القطاع الطبي، فإني آمل أن يصدر توجيه كريم لوزارة الصحة بعدم تحصيل أي رسوم دراسية من الدارسين في كلية الطب في مدينة الملك فهد الطبية، وأن يمنح الدارسون في هذه الكلية جميع المميزات التي يحصل عليها زملاؤهم الملتحقون بكليات الطب في الجامعات أسوة بزملائهم الملتحقين بكلية الطب في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية في مدينة الملك عبد العزيز الطبية في الحرس الوطني. كما أرجو أن توضع استراتيجية وطنية تهدف إلى إنشاء كليات طب في أكبر عدد ممكن من مستشفيات الخدمة الطبية المتقدمة في بلادنا، يلتحق بها خريجو كليات العلوم والعلوم الطبية التطبيقية والصيدلة الراغبين في التأهل ليكونوا أطباء، في برامج مماثلة للبرنامج الرائد المطبق في كلية الطب في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية في الحرس الوطني، الذي يمتاز بأنه يحد من الحاجة إلى تأمين كادر تعليمي لتدريس العلوم الأساسية، من خلال ترك التأهيل غير الطبي لتتولاه الجامعات والتركيز فقط في البرنامج على استكمال التعليم والتدريب الطبي الذي يحتاج إليه هؤلاء الخريجون ليصبحوا أطباء، ما يشكل توظيفا عالي الكفاءة لما وفرته الدولة في هذه المستشفيات من كفاءات طبية متميزة، ويتيح المجال واسعا أمامنا لتأهيل أكبر عدد من أبنائنا في المجال الطبي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي