تحالفات القطاع الخاص السعودي في الأسواق الناشئة
أورد موقع "الأسواق نت" التابع لقناة "العربية" السبت 30/6/2007 خبراً مقتضباً مفاده العزم على إنشاء تحالف سعودي ـ هندي، يمثل الجانب السعودي فيه شركة التقنيات الكيماوية العالمية للاستثمار المحدودة، ويمثل الجانب الهندي شركة الغاز الهندية المحدودة لإقامة مجمع بتروكيماويات ضخم في مدينة الجبيل الصناعية ومصنع آخر في مدينة كوتشن الهندية باستثمارات تبلغ مليارات الدولارات. على الرغم من أن المشروع المزمع تنفيذه ما زال في مرحلة التحضير والدراسات والتفاهم بين طرفي الاستثمار، إلا أن نظرة كلية إلى هذا الخبر وتحليلا اقتصاديا لمضمونه يبينان العوائد المتوقعة من المشروع لمكانة الاقتصاد السعودي والقدرة على النفاذ للأسواق الناشئة، خصوصا في المنتجات التي نملك فيها ميزة نسبية وتنافسية في آن معاً، أعني قطاع البتروكيماويات.
قد يثير خبر مقتضب وخالي من التفاصيل كهذا عدة أسئلة، منها أليست مشاريع البتروكيماويات العملاقة في المملكة كافية؟ هل هناك جدوى من الاستثمار في الهند؟ هل هناك ميزات تجعل جدوى هذا المشروع مختلفة عن مشاريع البتروكيماويات الأخرى المؤسسة والتي قيد التأسيس؟ أليس الأحرى بـ "سابك" أن تكون سباقة لقيادة مشروع كهذا؟ وغير تلك من الأسئلة المنطقية التي قد يثيرها المتابع الموضوعي.
بالنظر إلى التساؤل الأول المتعلق بكثرة الاستثمارات في قطاع البتروكيماويات في السعودية، أرى أن هذه تعد ميزة إيجابية، حيث إن قطاع البتروكيماويات في المملكة يتمتع بدعم قوي وتسهيلات يفتقدها هذا القطاع في الدول الأخرى، وليس بالإمكان توفيرها أيضاً هناك، مما يشكل مصداً للمنافسين (Barrier to Entry) الطامعين إلى خطف جزء من كعكة سوق قطاع البتروكيماويات العالمية. كما أن منتجات مشاريع البتروكيماويات التي تم الشروع فيها أو المخطط لها تخضع لدراسات جدوى مختلفة زمنياً ومكانياً من ناحية السوق المستهدفة، التقنيات الموظفة، ترتيبات ما بعد الإنتاج، ودراسات التكامل التسويقي والإنتاجي مع شركاء الاستثمار.
وأما التساؤل الثاني المتعلق بجدوى الاستثمار في الهند، فإن تناوله يجب أن يتم برؤية استراتيجية بعيدة المدى. فنمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الهندي بلغ نحو 8 في المائة في الأعوام الماضية، وبلغ تراكم حجم الاحتياطيات الأجنبية ما يربو على 180 مليار دولار، وارتفاع كبير في أداء السوق المالية، بجانب ارتفاع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في العام الحالي إلى نحو 12 مليار دولار، وتوقعات بنمو الصادرات بأكثر من 35 في المائة حسب توقعات حكومية هندية. وعلى الرغم من أن نمو الاقتصاد الهندي في السنوات الماضية كان مدعوماً بقفزات القطاع الصناعي الداعم الرئيسي للتصدير إلا أن القطاع الزراعي لا يزال يهيمن على نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي نظراً لديموجرافية الهند والحاجة إلى دعم موارد الغذاء والمهن المتوارثة والمحلية في الأقاليم الريفية التي تعاني الفقر والبطالة.
وبالعودة إلى جدوى المشروع، فإن نتائج الدراسات المتخصصة للتحالف ستحدد ذلك. بيد أن النظر إلى جدوى المشروع كلياً، خصوصاً مع كون الشراكة مع شركة الغاز الهندية المحدودة, وهي شركة حكومية تعمل في اقتصاد, ما زال للسياسات الاقتصادية المركزية هيمنة عليه بناء على خصائصه, تشير إلى أن هناك عددا من الفرص، منها فتح قناة لدخول الصادرات البتروكيماوية المصدرة إلى السوق الهندية الناشئة بسهولة ويسر، وضع قدم في سوق ناشئة للشروع في عمليات متكاملة بين المشاريع المقامة في كلا البلدين، وتيسير الوصول إلى المصنعين ومنشآت الأعمال التي تستخدم مخرجات المصانع البتروكيماوية كمدخلات لعمليات الإنتاج في مصانعها المتخصصة في المنتجات النهائية. وهنا لا بد من تأكيد أهمية وضع استراتيجية للتحالف المستقبلي مع المستثمرين الأجانب المحتملين في صناعات ذات قيمة مضافة أعلى من خلال فتح قناة استثمارية عمودية تربط مجمع بتروكيماويات في الجبيل مع شريكه في الهند، وبالتالي مع الزبائن لمنتجات الاستثمار في السوق الهندية، ما قد يؤدي إلى حصول الشركة السعودية ـ الهندية على ميزات إضافية للتوسع العمودي في مرحلة أولى يليها توسع أفقي في صناعات مشابهة ومكملة لتحقيق المشاركة السوقية المستهدفة.
ومن اللافت للنظر أن القطاع الخاص بدأ يأخذ المبادرة والاستثمار في الأسواق الناشئة, معتمداً على الميزة التنافسية للاقتصاد السعودي وفرص الحصول على التمويل من السوق المالية بجانب القنوات التقليدية الأخرى، ما يشير إلى أن القطاع الخاص ينوي الدخول إلى حلبة الشركات العملاقة شبه الحكومية كـ "داو كيميكال" و"سابك"، والمنافسة معها على حصص السوق العالمية. ولتحرك كهذا فوائد كبيرة للاقتصاد، تبدأ بالمنافسة وتطوير الكم والنوع من المنتجات المصدرة، ولا تنتهي بالبحث عن أسواق ناشئة تشكل صادراتنا مدخلات الإنتاج لمصانعها، ناهيك عن تأثيرات الفائض المتمثلة في نقل التقنية والاستفادة من الخبرات الدولية وبناء تراكمي للخبرات في الأسواق الناشئة.
وأخيراً، نتمنى أن تحالفات القطاع الخاص السعودي في الأسواق الناشئة تطول بالمنفعة الأفراد المستثمرين في السوق السعودية من خلال طرح كميات من استثمارات القطاع الخاص المتكئة على الدعم الحكومي المتمثلة في توفير لقيم الإنتاج، في عمليات اكتتاب أولي متاحة للأفراد بشكل رئيسي، وللمؤسسات الاستثمارية أيضاً. كما يجب أن يتم التركيز على أن الميزات التنافسية الممنوحة من قبل الجهات التشريعية، التنظيمية، والجهات الحكومية، ومدى ارتباطها بالاستراتيجية الاقتصادية الوطنية والعوائد المرتقبة من تسهيلات وطنية للقطاع الخاص، يجب أن تطول في النهاية عموم المواطنين.