رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تنموياً: نحتاج إلى تكثيف الدراسات حول العقوبة الاجتماعية

[email protected]

في الدراسة التي نشرتها جريدة "الرياض" قبل أسبوعين التي أجراها الأستاذ المشارك في علم الاجتماع والجريمة الدكتور عبد الله اليوسف حول "آراء القضاة والضباط والإخصائيين الاجتماعيين حول البدائل الاجتماعية للعقوبات السالبة للحرية" وضح جليا أن المجتمع سيظل يفخر بوجود أمثال هذا الأستاذ الكريم ويطالب بإلحاح أن يقوم علماء علم الاجتماع وعلم النفس بنشر دراساتهم إعلاميا كما هي في المجلات والدوريات العلمية المحكمة, لأن ذلك من المؤكد سيفتح آفاقا جديدة تسهم في تنمية الفكر في الشؤون الاجتماعية. من الدراسة وضح جليا مدى حاجة كل فئات المجتمع العاملة وشرائحه إلى الاطلاع الدائم فيما يتعلق بتطوير أساليب التفكير والمهارات الفردية في المهن المختلفة في شتى المجالات. ففي عينة الدراسة التي حصرت في القضاة والضباط المسؤولين عن إيقاع وتنفيذ الأحكام على كل مخالف, وجد أن 52 في المائة من القضاة, و42.35 في المائة من الضباط يعتقدون أن السجن أفضل وسيلة لمعاقبة المخالفين. في حين عارض 71.43 في المائة من الإخصائيين الاجتماعيين أن يكون السجن عقوبة مثالية للمخالفين. يتبادر إلى الذهن فورا أن إجابات المسؤولين جاءت مبنية على خلفيات أثرت في مرئياتهم, كما لم يكن لديهم الوقت أو الاهتمام إن جاز التعبير لمراجعة البدائل لما فيه مصلحة المذنبين أو المخطئين وإعادتهم إلى المجتمع منتجين ومؤثرين إيجابيا مرة أخرى. إن أكثر من نصف القضاة ويتفق معهم قرابة النصف من الضباط يوحون لنا بمدلولات عدة. لقد أوضحت الدراسة أن هناك توجها نحو التفكير في بدائل السجون ولكن لم يكن لشيء، بل لما تواجهه من مشكلات الازدحام التي قد تصل إلى حد غير مقبول. في الواقع هذا لن يكون سببا مقنعا, فهذا معناه أننا لا نعبأ بعزلة ذاك الفرد عن المجتمع, أو تشريد وتفكيك تلك الأسر عن بعضها البعض, أو اكتساب السجين (جراء مخالفة بسيطة) عادات سلبية بتواجده مع آخرين من أصحاب السوابق...إلخ. كما لا يدلل بوجود نظرة ثاقبة في أهمية البحث عن بدائل تجرب لبعض الحالات ومن ثم تخضع التجارب للدراسة العلمية التي قد تنتج توصيات مفيدة لتنظيم وضع الأحكام والمحكوم عليهم والسجون في الوقت نفسه.
في جملة "مع الإبقاء على العقوبة التقليدية للسجن حقا من حقوق القاضي بصرف النظر عن نوع الجريمة ونمطها". إن ترجمت فعلا آراء القضاة فهذا يعني أن إنزال عقوبة السجن سيكون لمرتكبي المخالفات من جميع الدرجات وبجميع أنماطها, مما يعني سماحنا باختلاط الأفكار في مكان واحد غير محبب إلى النفس, وهذا ينبئ تشكيل شريحة حائرة بين هذا الاتجاه وذاك مما يؤسف له إذا ما تبنتها فئات ضلت طريقها الصواب. في الدراسة احتل الجلد كبديل لعقوبة السجن الخيار الأول والمفضل لدى القضاة وفي الدرجة الثانية المصادرة ثم الغرامة وبعدها التعويض. كما احتل بديل مراقبة الشرطة والحبس المنزلي الدرجة الأخيرة في البدائل التي يرى القضاة تطبيقها. بالرغم من أن هذه البدائل يمكن تبنيها في المملكة، مع أخرى يمكن عرضها واقتراحها لاتفاق بعض الضباط على أن سلبيات السجن تفوق إيجابياته، إلا أن هذه الموافقة ما زالت ليست للأغلبية, مما يدل على أن ثقافة بعض المسؤولين في هذه الجهات تحتاج إلى تعرض لثقافات مختلفة ليس لتتغلب على ثقافاتنا الموروثة أو المكتسبة في مجتمعنا ولكن للاستفادة من مزجها والخروج بأفضلها لبناء المجتمع السوي السليم. ثم أن عدم وضوح الآثار الاجتماعية للسجون على السجين وأسرته في أذهان الكثير من الضباط يعني أن هناك حاجة ماسة إلى تكثيف قراءة الضباط حول أعمالهم وجوانب الممارسة المهنية, إضافة إلى أنواع البدائل المختلفة وأخال أن هذه مهمة الإخصائيين الاجتماعيين سواء العاملين في السجون أم الأكاديميين أم في مواقع أخرى، ولهم باع طويل في الخدمة الاجتماعية. لا شك أن بدائل مثل: الجلد, والعمل لمصلحة المجتمع, الكفالة الحضورية, وإيداع مبلغ من المال على ذمة القضية, والغرامة, ومراقبة الشرطة, والإفراج الشرطي, والمصادرة, والتعهد .. إلخ تكاد تكون أولويات ولكن نحتاج إلى توسيع دائرة التفكير في بدائل أخرى لعلنا نصيب في استصلاح الفرد لخدمة المجتمع على المدى البعيد.
جانب آخر من الدراسة ذكر أن غالبية القضاة والضباط يعتقدون أن هناك الكثير من السلبيات المترتبة على عقوبة السجن غير أنهم لا يعتقدون أن العودة إلى السجن مرتبطة بإخفاق السجون في أداء المهمة الإصلاحية المنوطة بها. وفي هذه أكاد أجزم أن الحاجة إلى تكثيف الدراسة لتبيان ذلك ملحة للغاية فالمرحلة التي يقضي فيها السجين عقوبته تتضمن برنامجا إصلاحيا كاملا حيث تؤهل السجين للعالم الخارجي إذا ما أطلق سراحه, ولكن هل قيس تأثير هذه البرامج في مستوى كل نزلاء السجون في المملكة, وفي كل الأحوال, وبالمدد المختلفة؟ وهل سيتم عمل دراسة مقارنة تكشف ما إذا كان هناك أنماط جديدة ظهرت؟. لقد أوصى الباحث بتكثيف التوعية ببدائل السجون وذلك لعدم معرفة بعض القضاة والضباط والإخصائيين الاجتماعيين لبعض البدائل أو حتى ما يمكن أن يقترح ومدى تأثيرها في توجهات الأفراد. كما أوصى بتكثيف الدراسات للخروج بنتائج تجعلنا نتفهم بعض الظواهر فتكون لنا دليلا على صحة ما نتبناه لصالح الفرد والمجتمع على السواء, فليتنا نكثف بدورنا نشر مثل هذه الدراسات فتكون التنمية تكاملية وشاملة بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي