رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


فهم العرب والمسلمين

بعد كارثة الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). دارت الألسن في الأفواه وسالت أنهار من الحبر، كلها تتحدث بغيض وفيض عن الإسلام والعرب، باعتبارهما وجهي عملة هذا الشر المستطير.
اختلطت الأحقاد بالتجارة بالدجل بالباحثين فعلا عن الحقيقة. طغت مزاعم التعريف بالإسلام وبالعرب، عقيدة، ثقافة، طبائع. وتحت ذريعة ذلك تم جلدنا بسياط التهم باعتبارنا أمة متوحشة لا تحفل إلا بالمجازر والجنس والمال، تقف على النقيض تماما من الحضارة والعقل، تمقت السلام والحرية.
اليوم يأتي الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، لكي يحاول فهمنا من خلال مبعوث خاص لأمريكا في منظمة المؤتمر الإسلامي. وحسناً، يفعل السيد الرئيس. لسوف أصفق له ولأي زعيم لكي يعينوا مندوبين لهم في منظمة المؤتمر الإسلامي، بل وفي جميع منظماتنا العربية الأم. إذا كان هذا النهج يسهم فعلا في تجسيرا لعلاقات بين الشعوب والثقافات والعقائد.
لكن، ليسمح لنا سيادة الرئيس بوش وغيره من الساسة الزاعمين تعميق قيم الحوار والتفاهم معنا نحن العرب والمسلمين، أن نسأل: هل فعلا نحن إلى هذا الحد من "العجمة" و"الغموض" حتى أنه لم تجد في معرفتنا وفهمنا كل هذه السنوات الطوال من الخوض في دمانا منذ سايكس بيكو إلى اليوم، مرورا بكل المرحلة الاستعمارية ثم الاستعمارية الجديدة عبر تبديل زعاماتنا بالانقلابات وعبر التحالفات والصداقات والشركات وبوابات الاستيراد والتصدير؟ ألم يكن علماؤكم، باحثيوكم، دارسوكم، رجالتكم، "منقبوكم" ومبشروكم منذ أكثر من قرنين – إذا حذفنا مآسي الحروب الصليبية – يجوبون بلداننا، يستشرقون فينا وفي تراثنا فغطسوا في بحور مكتباتنا من إسطنبول إلى صنعاء، وقفوا، نبشوا وجمعوا مفردات آثارنا من مكناس إلى الربع الخالي؟! ثم ألم تكن جامعاتكم تعج بأقسام الدراسات الإسلامية والشرقية وأقمتم في حواضرنا جامعات ومشاريع ثقافية وأغريتمونا مشكورين بالمجيء إلى بلدانكم، وكنا معكم وأمامكم نماذج حية للتشريح تحت مجهر العلاقة المباشرة، ما كان فينا متردد أو متمنع بل كنا نتصف بالاندفاع في التواصل معكم فعلنا ذلك قبل رفاعة الطهطاوي وبعده مرورا بجمال الدين الأفغاني ورواد النهضة، ومن جاء بعدهم من لطفي السيد إلى جبران إلى مئات الألوف من المسلمين والعرب الذين تتلمذوا وأبدعوا في جامعاتكم وصروحكم العلمية وبعضهم بالملايين، مازالوا مواطنين يصنعون يوم وغد بلدانكم باعتبارها بلدانهم دون تمييز مثلما كان أجدادنا هم من كحلوا أحداق أوروبا وأخرجوها من عصور ظلامها الرهيب.
أجد حرجا، ووجعا في ابتلاع مزاعم غموضنا وعدم فهمنا من قِبل أمريكا والغرب عامة لمجرد أن أبالسة من حثالة هذه الأمة اتخذوا من "فقه الموت" فلسفة لذبح وتدمير أهلهم مثلما يفعلون مع غير أهلهم أيضا؟ هل ندين كل الأمريكيين والغرب لمجرد أن ظهر فيهم أبالسة من نوع هتلر، موسليني، مكارثي، جيانا، هلتر سكلتر، إيان سميث وغيرهم من المجرمين والعصابات؟!
أياً كانت مزاعم بوش وغيره في تفتيشهم لخلايانا الذهنية والوجدانية تحت المجهر، فلا أجد في نفسي ميلا للتصديق بأننا كعرب وكمسلمين غامضين إلى حد "الاستعصاء على الفهم"، بل إنني أجد في هذا الإصرار على الفهم وسيلة لعدم الفهم لاستمراء "تدريسنا" كنماذج لمخلوقات غير سوية عليهم أن يثابروا على تأهيلنا على طريقتهم، بأسلوبهم، على النحو الذي يخدم حضارتهم ولا يعوقها.. حتى لو تطلب الأمر الاستغناء عنا، ولو لم يكن الأمر كذلك لما جربوا فينا التأهيل بزرع إسرائيل وغزو العراق والصومال واستهداف السودان وإتعاس العالمين العربي الإسلامي. فكلما لاح ما لا يروق لهم جاءت الفتنة تسعى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي