مأساوية ما يجري في فلسطين

[email protected]

نجح الإسرائيليون من خلال اتفاقيات أوسلو في إبعاد الدول العربية من لعب أي دور في الصراع العربي ـ الإسرائيلي بتحويل القضية الفلسطينية من قضية عربية إسلامية يعنى بها كل عربي ومسلم إلى قضية محلية تعني الشعب الفلسطيني وحده، يتفاوض حولها الكيان الإسرائيلي مع من يقرر هذا لكيان أن له حق تمثيل الشعب الفلسطيني. ومن خلال محاصرة المفاوض الفلسطيني في سلطة عاجزة مسلوبة الإرادة، حتى قياداتها الأمنية مفروضة عليها وهمها الأول حماية الإسرائيليين والتصدي لمقاومة الاحتلال، استطاع الإسرائيليون تجريد المفاوض الفلسطيني من أي ورقة ضغط يمكنه استخدامها بعد سلخه من بعديه العربي والإسلامي، ما جعله تحت رحمة إملاءات المفاوض الإسرائيلي، ومن يتجرأ على الممانعة يجوع ويحاصر أو يستبدل بمن يقبل الإملاءات الإسرائيلية ليكافأ بعدها برفع الحصار وفرض قبوله دوليا.
وإن كانت موافقة النظام العربي على اتفاقية أوسلو مثلت تنازلا عربيا عن لعب أي دور في تحديد مستقبل الصرع العربي ـ الإسرائيلي، ومكنت الإسرائيليين من التفرد بالمفاوض الفلسطيني، ما تسبب في إضعاف موقفه التفاوضي بشكل هائل حرمه من بعده العربي الاستراتيجي، فإن تبني بعض الأنظمة العربية الموقف الإسرائيلي حول ما يحدث حاليا في الأراضي الفلسطينية يمثل ترديا وانحدارا جديدا غير مسبوق في الموقف العربي، كونه يمثل موافقة صريحة على أن تفرض إسرائيل على الشعب الفلسطيني من يمثله، وأن تتمكن بالتالي من إملاء الحل الذي تراه على من اختارته ليتفاوض معها حوله، ولا يكون للعرب بعد ذلك من خيار إلا الموافقة على الحل الذي يتم الوصول إليه، باعتباره حلا وافق عليه أصحاب الحق المخولون بالتفاوض حوله، وليس من المقبول أن يكون غيرهم أحرص منهم على قضيتهم.
وتماما كما كان الإسرائيليون يرفضون أي دور أوروبي في عملية السلام، لكي تتمكن الولايات المتحدة المنحازة بشكل سافر للجانب الإسرائيلي من فرض رؤاها على الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فإن رفض إسرائيل المبادرة العربية يمثل تكريسا لرغبتها وإصرارها على التفرد بالمفاوض الفلسطيني وإبعاد الدول العربية من أن تكون طرفا في الصراع، وهي أشد رغبة في كسر ظهر المفاوض الفلسطيني والتفرد به من رغبتها في أن تصل إلى حل شامل ينهي صراعها من العرب. ومبادرة الإسرائيليين والأمريكيين في تأييد ما حدث في الأراضي الفلسطينية من انقلاب على الشرعية الفلسطينية وعلى الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، وشجبهم قيام حكومة فلسطينية منتخبة بواجباتها في مواجهة مثيري الفوضى والفتنة واعتبار ذلك انقلابا على الشرعية يستحق التنديد، بينما الانقلاب الحقيقي على المؤسسات الدستورية وعلى خيار الشعب الفلسطيني إجراء يستحق الإشادة والدعم، لا يعدو أن يكون استمرارا لجهودها الحثيثة المستميتة التي بذلتها لإفشال اتفاق مكة، بإصرارها على استمرار المقاطعة الاقتصادية والحصار حتى بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، سعيا ورغبة في إيصال الوضع بين الفلسطينيين إلى ما وصل إليه.
إن الدول العربية مطالبة بأن تكون عمقا استراتيجيا للفلسطينيين تؤزرهم وتحميهم وتقوي موقفهم التفاوضي، لا أن تكون عونا للإسرائيليين عليهم من خلال المشاركة في محاصرة الشعب الفلسطيني لإركاعه وإجباره على قبول الإملاءات الإسرائيلية، وأن يصل التردي في الموقف العربي إلى حد تأييد خيار إسرائيل لمن يمثل الفلسطينيين ويتفاوض باسمهم معها، حتى وإن رفضهم الشعب الفلسطيني من خلال خيار ديمقراطي حر. ونجاح "حماس" في اجتثاث عناصر التخريب في غزة وتحقيقها الأمن الشامل خلال ساعات فقط يؤكد متانة الدعم الذي تحظى به وموافقة الشعب الفلسطيني على ما قامت به من إجراء ضد مثيري الفوضى، وهي تستطيع القيام بالعمل نفسه وبالسرعة نفسها في الضفة الغربية، لولا سهولة تدخل إسرائيل في الصرع حماية للعناصر المتواطئة معها، بصورة لم يكن بمقدورها القيام بها في غزة. وعلى الدول العربية ألا تسمح بخطف القضية الفلسطينية من قبل مجموعة همها الأول الحفاظ على مصالح فئوية والتشبث بسلطة شكلية لا تتيح لها إلا حماية مصالحها الشخصية الضيقة، وهي في تشبثها هذا مستعدة لمواجهة شعبها ورفض اختياراته والاستقواء بأعدائه عليه، مستغلة تخاذل العرب عن الوقوف في وجه هذا الانحدار المشين في مواقف من يصروا على أنهم وحدهم من يملك حق تمثيل الشعب الفلسطيني، حتى لو رفضهم شعبهم وأسقطهم في انتخابات حرة نزيهة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي