محللون: 3 عوامل في قلب الاقتصاد السعودي تحتم إعادة النظر في بقاء الريال مرتبطا بالدولار فقط

محللون: 3 عوامل في قلب الاقتصاد السعودي تحتم إعادة النظر في بقاء الريال مرتبطا بالدولار فقط

تراخي أسعار الدولار مقابل حدوث فوائض مالية في دول مجلس التعاون الخليجي التي ترتبط عملاتها بالعملة الأمريكية, أدى إلى حدوث نمو في معدلات التضخم في دول المجلس, وهي معدلات باتت ملموسة إلى حد كبير من قبل المستهلكين العاديين. وأمام ذلك, زاد الحديث في السعودية تحديدا عن الارتباط بين الريال والدولار والحاجة الملحة إلى فكه, لكن هذه المطالبات أو المقترحات يقابلها في الغالب تأكيدات من الجهات الرسمية (وزارة المالية ومؤسسة النقد) بأنه لا حاجة إلى فك الارتباط ولا إلى تعديل سعر صرف الريال أمام العملة الأمريكية, استنادا إلى أن التضخم تحت السيطرة ولم يصل إلى مستويات تستدعي إحداث تغيير في السياسة النقدية, فضلا عن ذلك أن الرياض ملتزمة في إطار دول مجلس التعاون الخليجي بثبات سعر صرف عملتها وإبقائها مرتبطة بالدولار لتحقيق التكامل المالي الذي يمهد لتحقيق العملة الخليجية الموحدة بحلول عام 2010.
وعلى الرغم من هذين المبررين القويين لبقاء الريال مرتبطا بالدولار, إلا أن المحللين الماليين وخبراء الاقتصاد يعتقدون أن فك الارتباط بات أمرا ملحا, خاصة مع زيادة فاتورة الواردات من السلع الأمريكية التي دعمها انخفاض الدولار, وهو أمر تسبب في الوقت ذاته في إحداث "التضخم المستورد". ويستند المحللون إلى جوانب عدة في دوافعهم نحو "فك الارتباط", من بينها أن العلاقات التجارية السعودية باتت تتنوع إلى الحد الذي لا تشكل معه الواردات من أمريكا نسبة كبيرة تستدعي هذا الربط, يزاد إلى ذلك الوضع الراهن للدولار الذي فقد خلال الأعوام الأخيرة جزءا من قيمته, مقابل عملات أخرى كالين الياباني واليورو الأوروبي واليوان الصيني.

خطوة الكويت

أمس, اتخذت الكويت أمس خطوة نوعية في السياسة النقدية بفكها ارتباط الدينار بالدولار الأمريكي ورفع عملتها في محاولة للسيطرة على التضخم الناشئ من تراجع سعر العملة الأمريكية. ولأن الكويت عضو في مجلس التعاون الخليجي وهذه الدول تستعد لإطلاق عملة موحدة مطلع 2010، ويترتب على ذلك اتفاقات بين الدول بشأن الربط وسعر الصرف. "الاقتصادية" من هذا المنطلق استفتت عددا من الاقتصاديين حول مدى انطباق هذا الإجراء على الريال السعودي, ويمكن تحديد ثلاثة عوام اتفق عليها المحللون باعتبارها مؤيده لفك الارتباط وهي: تراجع الدولار وتسببه في استيراد التضخم, توسع العلاقة التجارية للسعودية فلم تعد مقصورة على أمريكا ودخولها مع دول أخرى مؤثرة كاليابان والصين والهند. والعامل الثالث هو أن الدولار بات عملة لدولة مدينة.
في البدء, قال الدكتور مقبل صالح الذكير أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز في جدة, إنه يؤيد فك الارتباط بين الريال والدولار لأسباب موضوعية, ويضيف: حان وقت فك هذا الارتباط, والمسألة مسألة مصالح وليست عواطف. بل ذهب الذكير إلى دعوة السلطات النقدية إلى التفكير الجدي في المسألة, فنحن أمام ظاهرة تحتم على السعودية ألا تربط عملتها بعملة واحدة نظراً لتنوع مصادر وارداتها. وهذا يتطلب ربط عملتنا بسلة من العملات التي تمثل المناطق التجارية المهمة في علاقاتنا الاقتصادية، وعلينا بالفعل التكيف بكفاءة مع ما تفرضه علينا مصالحنا التجارية التي أخذت تتغير مع بقية دول العالم تتغير بشكل كبير سواء من حيث الصادرات أو الواردات. ومن ثم فعملتنا يجب أن تتكيف مع هذه المتغيرات من أجل صالح اقتصادنا.

العلاقة التجارية

ويسند الذكير حديثه بالقول إن علاقتنا التجارية المتغيرة وفقا للأرقام والإحصاءات الموضوعية تدل على أن استمرار ارتباط الريال بالدولار فقط ليس كافيا ولا من المصلحة في شيء، بل يجب أن يرتبط بسلة من العملات. خاصة أن الدولار الأمريكي بذاته لم يعد دولار الأزمان الغابرة، بل أضحى يمثل الآن عملة دولة ذات دين عام كبير ومتزايد، على الرغم من ضخامة اقتصادها وثقل نسبة مساهمته في حجم التجارة الدولية. لكن الأمور لا تستقر على حال، فقد أتى حين من الدهر كان الجنيه الاسترليني هو العملة الرائدة دوليا، حتى تراجع بعد الحرب الثانية مفسحا المجال للحقائق والقوى الأمريكية الجديدة.

دخل السعودية

الدكتور ياسين الجفري (المحلل المالي), يقول في إجابته عن السؤال نفسه – هل تؤيد فك الارتباط - إن الارتباط بالدولار في السعودية نشأ لعدد من الاعتبارات أهمها التركيز على البعد التخطيطي نظرا لأن الدخل الرئيسي للسعودية عادة ما يقوم بالدولار وكون الدولار عملة أساسية في المنظور الدولي. ويضيف إن عدة دول اتبعت سياسة الربط وفي مقدمتها الصين, وتحفز عملية الربط كون الدولار عملة عالمية يسهل التداول بها ومع قوة الدولار يكون هناك نوع من الدعم غير المباشر، وفي حالة ضعف الدولار يكون هناك نوع من استيراد التضخم، وفي كل الأحوال المزايا الناجمة في الأغلب أكبر من العيوب التي تنجم من الاستقلالية ووجود تقلبات حادة في العملة يؤثر على النمو الاقتصادي وقدرة المنتجات المحلية على المنافسة من خلال التصدير. يختم الجفري إجابته بالقول: لذلك أؤيد عملية الربط.
في المقابل, يعتقد عبد الرحمن محمد السلطان (أكاديمي وكاتب اقتصادي) أن عملات الدول المعتمدة على صادراتها النفطية، السعودية مثالا، هي عملات غير قابلة للتعويم ويلزم استمرار ربطها بعملة أو سلة عملات عالمية رئيسة، لحمايتها من التذبذب العنيف في سعر صرفها تبعا للتغيرات التي تحدث في تدفقات النقد الأجنبي نتيجة تقلبات أسعار النفط الخام العالمية. ففي حال تعويم مثل هذه العملات، دون إيجاد آلية تضمن توازن تدفقات النقد الأجنبي، كأن ينشأ صندوق يتولى استثمار فوائض إيرادات النفط خارجيا، فإن العملة المحلية سترتفع عند حدوث تزايد كبير في أسعار النفط الخام وتتراجع بقوة عند حدوث انخفاض حاد في الأسعار، ما يؤثر سلبا على النشاط الاقتصادي ويضعف من جاذبية بيئتها الاستثمارية. لذا فإن تعويم الريال سيجعل سعر صرفه عرضة لتقلبات عنيفة، تؤثر بحدة على استقرار النشاط الاقتصادي، ما يجعل من الضروري استمرار ربطه بعملة أو سلة عملات دون وجود أي إمكانية لتعويمه – حسب ما قال الاقتصادي السلطان.

لا للعملة الواحدة

وفي ظل تزايد الحديث عن فك الارتباط, نشرت "الاقتصادية" في الرابع من نيسان (أبريل) الماضي مقالا للاقتصادي الدكتور فيصل بن صفوق البشير المرشد كان يتناول علاقة الريال بالدولار وهنا نورد مقتطفا من المقال، يقول المرشد: خدم ارتباط الريال بالدولار الاقتصاد السعودي جيداً، غير أن اتساع الشراكة السعودية التجارية وتنوعها في دول العالم أدخل عملات أخرى مثل الين واليورو وغيرهما يجب على السعودية التعامل معها. إذن نحن أمام ظاهرة تحتم على السعودية ألا تربط عملتها بعملة واحدة نظراً لتنوع مصادر وارداتها. وهذا يتطلب من المملكة التفكير الجدي والسريع في ربط عملتها بسلة من العملات التي تمثل مناطق تجارية أثبت الزمن أن علاقة المملكة التجارية معها مستقرة ومستمرة. والسنون المقبلة حبلى بالمتغيرات وعلى المملكة أن تكون مستعدة للتكيف بكفاءة مع ما تفرضه عليها مصلحتها التجارية. ولنلاحظ ما هو حادث أمامنا في هذا العالم من ناحية ظهور العملاقين الصين والهند. وقارن علاقة المملكة بهما تجارياً بين الماضي والحاضر .. استوردت السعودية من الصين ما قيمته 688 مليون ريال في 1984 وهو يعادل 0.005 في المائة من مجموع قيمة واردات المملكة في تلك السنة. ووصل إلى 16521 مليون ريال في 2005 وهو يعادل 7.4 في المائة من مجموع الواردات السعودية في تلك السنة. هذا تحول كبير جداً ويشير إلى قدوم شريك تجاري كبير للسعودية بالذات. وبالمناسبة فالصين هي الشريك الرابع للسعودية بعد أن كانت المملكة المتحدة تحتل ذلك الترتيب. وإذا استمرت الأمور على ما هي الآن فقريبا ستصبح الصين هي الشريك الثالث وليس ألمانيا. وما ذكر بالنسبة لعلاقة المملكة التجارية بالصين ينطبق على علاقتها مع الهند ولو بحجم أصغر نسبيا. استوردت السعودية من الهند ما قيمته 997 مليون ريال في عام 1984 وهو ما يعادل ما نسبته 0.008 في المائة من مجموع قيمة واردات السعودية. وارتفع إلى 5314 مليون ريال في 2004 وهو ما يعادل 3.2 في المائة من مجموع قيمة الواردات في تلك السنة. وينتهي المرشد إلى القول إنه لا يؤيد فك الارتباط بين الريال والدولار 100 في المائة, إذ يعتقد أن المناسب هو ربط العملة السعودية بسلة عملات بما فيها الدولار.
وفي اتصال هاتفي مع الدكتور المرشد أمس في أعقاب القرار الكويتي قال: إنه حان الوقت للتفكير بشكل جدي في مسألة ارتباط الريال بعملة واحدة هي الدولار وليس بالضرورة الانتظار لمناقشة هذا القرار لحين حلول موعد العملة الخليجية الموحدة، حيث ما زال هناك متسع من الوقت وهو ثلاثة أعوام أو أقل بقليل والتالي يجب مراجعة هذا الجانب حاليا.

المبرر لم يعد قائما

الدكتور الذكير يعود للحديث قائلا: ارتباط سعر صرف الريال ارتباطا مباشرا بالدولار الأمريكي، كان له مبرر مفهوم في الماضي. أما الآن فإنه يكلف الاقتصاد والناس كثيرا، نظرا لأن كل هبوط في قيمة الدولار الأمريكي الضعيف تجاه العملات القوية كاليورو والين الياباني، يجر معه ريالنا هبوطا مقابل هذه العملات. وهو ما أضعف القوة الشرائية للريال السعودي مقابل تلك العملات، فأصبحت السلع الأوروبية واليابانية أغلى في نظر المواطن السعودي. وحيث إن نحو ثلثي وارداتنا تأتي من المنطقة الأوروبية واليابانية، فإن هبوط الدولار وثبات سعر صرف ريالنا تجاهه، يعنى تقريبا أن ثلثي القوة الشرائية لدخول المواطنين السعوديين تجاه هذه السلع، قد تآكلت.

الضغط على الريال

لكن ما الآثار السلبية المترتبة على استمرار ارتباط الريال بالدولار؟ في هذا الجانب يقول السلطان: ارتفاع إيرادات النفط وتراجع الدولار أمام معظم العملات الرئيسية تسبب في الضغط على الريال السعودي، باعتبار أن هذه الظروف تجعله مقوما بأقل من قيمته الحقيقية. ويترتب على رفع قيمته أمام الدولار آثار إيجابية تتمثل في انخفاض تكلفة الواردات، الذي يسهم في ظل انفتاح الاقتصاد السعودي واعتمادنا الكبير على السلع المستوردة، في رفع مستويات المعيشة والحد من معدلات التضخم التي تشهد معدلاتها نموا متسارعا. ويضيف أن التأثيرات السلبية تشمل تأثير ذلك على ميزان المدفوعات الداخلي بتقلص الفائض أو زيادة العجز نتيجة ما يترتب على ذلك من تراجع في الإيرادات النفطية مقومة بالريال. ويتسبب أيضا في رفع تكلفة الصادرات السعودية ما يحد من الطلب العالمي عليها، إلا أن هذا تأثير هامشي باعتبار أن الصادرات السعودية بما في ذلك معظم الصادرات غير النفطية يتم تسعيرها بالدولار ولا يتوقع أن يترتب على رفع سعر صرف الريال تغير في أسعارها خارجيا. ومعظم الاقتراض الحكومي بالريال السعودي، لذا يترتب على رفع قيمة الريال ارتفاع في القيمة الحقيقية للدين وانخفاض في قيمة الاستثمارات الخارجية، ما يؤثر سلبا على صافي مديونية الدولة أو دينها العام. لكن السلطان لا يؤيد فك الارتباط بل إعادة تقييم سعر صرف الريال أمام الدولار أو ربطه بسلة عملات ما يقلل من التكلفة الاقتصادية التي يتكبدها الاقتصاد السعودي نتيجة التراجع الحاد في سعر صرف الدولار الذي يتوقع أن يستمر خلال المرحلة المقبلة.

فك الارتباط

في حالة فك الارتباط فما الشكل المطلوب؟ في هذا الجانب يقول الذكير إنه لا يؤيد تعويم الريال، فليس لنا قدرة ولا إمكانات فنية على إدارة عملة معومة. وإنما أفضل ربط عملتنا (ريالنا) بسلة عملات أهم ثلاث مناطق تجارية عالمية نتعامل معها، بحيث يعطي وزن لكل عملة يكون مناسبا لحجم تجارتنا معها ومقدار مساهمتها في حجم التجارة الدولية... وهي: منطقة اليورو, منطقة الولايات المتحدة الأمريكية (الدولار الأمريكي), ومنطقة اليابان والصين (الين، والعملة الصينية).
ويضيف: لا شك أن التطورات الأخيرة في اقتصادنا تتطلب سياسات مالية ونقدية مغايرة لما كان مألوفا. وفي تصوري، أن وزارة المالية عليها أن تغير من سياستها المالية بالغة التحفظ تجاه برامج الإنفاق الحكومي، التي أدت إلى عدم رواج النشاط الاقتصادي واستمرار الاختناقات التي عانى ويعاني منها الناس في العقدين الأخيرين. وأما مؤسسة النقد فهي مدعوة بقوة الآن لانتهاج سياسة جديدة برفع سعر صرف الريال مقابل الدولار، وإلى التفكير الجدي أيضا بفك ارتباط الريال بالدولار والبدء بربطه بسلة من عملات المناطق التجارية الثلاث المهمة (الأوروبية واليابانية / الصينية والأمريكية) التي نستورد منها جل وارداتنا، وذلك وفقا لأوزان ترجيحية مناسبة لهذه العملات اعتمادا على حجم وارداتنا منها، من أجل تخفيف الآثار السلبية للدولار الضعيف مقابل العملات الرئيسة الأخرى.
ويتفق معه في هذا الجانب السلطان الذي يقول: تعويم الريال خيار غير مناسب طالما لم نمتلك آلية تحد من تذبذبات تدفقات النقد الأجنبي على البلاد تبعا لتذبذبات أسعار النفط الخام، فتعويم الريال في مثل هذه الحالة يعني تلقائيا تعرض سعر صرفه لتذبذبات حادة تضر كثيرا باستقرار النشاط الاقتصادي. والتباين الحاد في الظروف الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة وتوقع مواصلة الدولار انخفاضه، يؤكد أن الوقت قد حان لإعادة النظر بشكل عاجل في ربط الريال بالدولار. ما يجعل أفضل الخيارات ربط سعر صرف الريال بسلة عملات رئيسية، لضمان حماية الريال من الانخفاض دون مبرر أمام العملات الأخرى مع استمرار تراجع الدولار ما يحد من معدلات التضخم، كما يحرر أسعار الفائدة محليا من ارتباطها التام بمعدلات الفائدة الأمريكية ما قد يسمح بتراجع معدلات الفائدة وبالتالي خفض تكلفة تمويل الأنشطة الاستثمارية.

الأكثر قراءة