رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأبعاد الاقتصادية لجولة الملك الأوروبية

[email protected]

بدأ خادم الحرمين الشريفين يوم الإثنين 3 جمادى الآخرة 1428 الموافق 18 حزيران (يونيو) 2007، زيارة تاريخية إلى عدد من الدول الأوروبية، وتأتي هذه الزيارة الأولى من تولي خادم الحرمين الشريفين مقاليد الحكم، لتؤكد التوجه الكبير والبناء الذي ينتهجه خادم الحرمين في تعميق العلاقات السياسية والاقتصادية مع العديد من دول العالم وتوسيع قاعدة الشركاء الاستراتيجيين للمملكة.
وتأتي أوروبا كقارة أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين للمملكة، ويتضح ذلك من خلال الميزان التجاري السعودي مع دول العالم المختلفة حيث تمثل الدول الأوروبية ما نسبته 33 في المائة من إجمالي الواردات السعودية لأكبر عشرة شركاء تجاريين بينما تصل نسبة الصادرات إلى 14 في المائة كما في عام 2004. ولا شك أن هذه الزيارة ستفتح المجال أمام الحركة التجارية السعودية - الأوروبية إلى أبعاد أخرى جديدة آخذين بعين الاعتبار أن من يقوم بهذا الجهد هو رأس الهرم السياسي والاقتصادي في المملكة مع رؤساء الدول الأوروبية وتحديدا في هذه الزيارة إسبانيا وفرنسا وبولندا.
ولذلك فإن التعاون الأوروبي السعودي في الفترة الأخيرة يتضح من خلال الاستثمار الأجنبي الذي تتلقاه المملكة من الدول الأوربية، فقد نمت الاستثمارات الأوروبية بشكل ملحوظ منذ عام 2004، حيث كان حجم الاستثمارات الأوروبية في المملكة نحو 152 مليون دولار في عام 2004 لتصل إلى خمسة مليارات دولار في عام 2005 وتزيد بنسبة تزيد على 100 في المائة لتصل إلى 11.5 مليار دولار في عام 2006. وهذا يؤكد بشكل كبير التوجه الكبير الذي تتبناه المملكة في الانفتاح الاقتصادي والجاذبية الاستثمارية، ومن جهة أخرى، فإنه يعطي دلالة واضحة على التوجه الأوروبي للاستثمار في المملكة بصفتها شريك اقتصادي مؤثر.
وبالنظر إلى الدول التي تشملها جولة خادم الحرمين فإن إسبانيا والتي لها ما لها من حب في قلوب العرب والمسلمين تعبر عن سبعة قرون من الانصهار الحضاري، الذي لا يزال عبق ذكراه شاهداً في غرناطة، وإشبيلية، وقرطبة. وتأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين في أعقاب زيارة قام بها العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس في شهر نيسان (أبريل) 2006 إلى المملكة يرافقه عدد من رجال الأعمال الإسبان، وكان للزيارة أثر كبير في مزيد من التعاون بين البلدين. وتم خلال تلك الزيارة توقيع مذكرة التفاهم بشأن المشاورات الثنائية السياسية بين وزارة الخارجية في المملكة ووزارة الخارجية في إسبانيا، كما جرى توقيع اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين المملكة وإسبانيا.
وكان أحد نتائج تلك الزيارة، الإعلان عن إنشاء صندوق استثماري مشترك برأسمال قدره خمسة مليارات دولار لدعم العروض الاستثمارية ويمول من قبل القطاع الخاص والشركات ورجال الأعمال في البلدين، وهذا الصندوق تعبير عن الثقة التي ارتقت إليها الشركات السعودية والإسبانية مع بعضها البعض نتيجة نمو العلاقات بين البلدين. هذا الصندوق الاستثماري هو تعبير طبيعي لما تمثله المملكة وإسبانيا من ثقل استثماري كبير على المستوى العالمي، كيف لا وهما يمثلان أكبر الدول المصدرة لرأس المال في العالم. ولا شك أن هذا التقارب الاستثماري يصب في مصلحة اقتصاد البلدين.
والمحطة الثانية في زيارة خادم الحرمين هي فرنسا والالتقاء بالقيادة السياسية الجديدة ممثلة برئيس الوزراء نيكولاس ساركوزي، وتوقيت الزيارة يأتي لتأكيد استمرار العلاقات السعودية الفرنسية على مدى العصور ابتدأ من زيارات الملك فيصل، رحمه الله، التاريخية إلى فرنسا منذ عام 1919 م إلى العام 1973م، لتأتي زيارة خادم الحرمين استمرار للعلاقات الكبيرة التي تجمع المملكة بفرنسا كشريك سياسي واقتصادي استراتيجي في ظل المتغيرات الكثيرة التي شهدها التاريخ.
وبالإضافة إلى العلاقات السياسية الراسخة، فإن فرنسا تأتي في مرتبة متقدمة في سلم الشركاء التجاريين للمملكة، حيث تبلغ قيمة الميزان التجاري بين السعودية وفرنسا نحو 6.4 مليار دولار حسب أرقام عام 2006، حيث تمثل الصادرات السعودية ما قيمته 4.3 مليار دولار بينما الواردات نحو ملياري دولار. وهذا التطور في العلاقات الاقتصادية تعكسه نسبة الاستثمارات الفرنسية في المملكة مقارنة بباقي الدول الأوربية، فقد كانت نسبة الاستثمارات الفرنسية تمثل 8 في المائة من مجموع الاستثمارات الأوروبية في عام 2000، لتصل إلى 36 في المائة في عام 2006، ولتمثل نحو 11 في المائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية للمملكة، هذا دليل على عمق التطور الاقتصادي بين البلدين.
إن زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى أوروبا وما ذكرناه عن التطور في الميزان التجاري بين تلك الدول والمملكة، هو تأكيد للتوجه الرائد الذي تنتهجه المملكة في دعم علاقاتها مع شركائها العالميين واستغلال الطفرة الاقتصادية التي نعيشها لتوسيع قاعدة الشركاء التجاريين بشكل يدعم الناتج المحلي بزيادة الاستثمارات ونقل التقنيات التي تتمتع بها الدول الشريكة، وخصوصا الأوربية منها. وهي بذلك ترسل الرسالة واضحة إلى جميع دول العالم أن عصر الانفتاح والإصلاح الاقتصادي السعودي يرحب بشركات استراتيجية تخدم المصالح المشتركة للمملكة مع جميع الدول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي