رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


صندوق التنمية العقاري .. ديونه متعثرة وحالة مأزومة!

أعتقد جازما رغم أن المملكة تعيش ورشة عمل كبيرة في كل المجالات، ونحن نعيش معها كمواطنين مرحلة بناء مادية وإنسانية شاملة، سواء في المشاريع الجديدة أو إكمال البنى التحتية الأساسية أو في بناء مؤسسات المجتمع المدني ولو على استحياء بعض الشيء بسبب العنصر الاجتماعي المقاوم للتغير كطبيعة بشرية، إلا أن هناك بعض الجوانب التي تشهد سباتا أو ركودا غير طبيعي يحتاج إلى أن يدفع بطريقة أو بأخرى حتى وإن تطلب ذلك آخر العلاج وهو الكي, لأن سبات أو ركود تلك الجوانب يسهم بطريقة غير مباشرة في التقليل من المنجزات الأخرى وإن كانت كبيرة وطموحة، فكل شيء مربوط بالآخر وبالذات فيما يمس الشأن المعيشي للمواطن صاحب القضية الأكبر.
ونحن هنا لسنا بصدد سرد تلك الجوانب, وإن كان هذا ممكنا، ولكن سأتحدث عن جانب واحد فقط أعتقد أنه كاف لإيصال الرسالة وتوضيح الصورة. ولكن قبل ذلك أود سرد بعض البديهيات التي أولها أن التنمية بأشكالها كافة هي للوطن والمواطن معا وليست لشيء آخر، فكل وطن هو تكوين أساسه المواطن، ودون هؤلاء المواطنين فلا وطن ولا يحزنون. البديهية الثانية أن كل الهياكل الموجودة داخل كل وطن سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية هي هياكل أنشئت لخدمة المواطن، وبالتالي عندما يكون هيكل إداري معين عائقا في سبيل تحقيق الأهداف فلا بد من وجود مشكلة ما، سواء كانت المشكلة في الهيكل نفسه أو في من يديرون هذا الهيكل الإداري. وشاهدنا الكثير من الحالات التي ما إن تغيرت الرموز التي تديره حتى تغيرت العملية كلها بشكل إيجابي. البديهية الثالثة والأخيرة أن الأشخاص وجدوا لإدارة المنشآت ولم توجد المنشآت لخدمة مديريها أو مسؤوليها.
صندوق التنمية العقارية في القرن الواحد والعشرين في حاجة إلى إعادة هيكلة وفكر جديد، وصدر قرار تأسيس الصندوق بشكله الحالي بتاريخ 11/6/1394هـ، أي قبل 34 عاماً، برأسمال 250 مليون ريال ثم تضاعف إلى أن بلغ أكثر من 92 مليار ريال بدعم سخي ومستمر من الدولة. وقد غطى الصندوق خلال عقود التنمية الثلاثة الأخيرة كل مناطق المملكة حيث قدم قروضا لأكثر من نصف مليون عائلة سعودية وذلك حسب آخر الإحصائيات المتوافرة لدينا، مغطيا بذلك أكثر من 3976 مدينة وقرية وهجرة في مختلف مناطق المملكة. وهو إنجاز يحسب للدولة صاحبة الفكرة وللمسؤولين عن الصندوق الذين نفذوا تلك الرغبة في تحقيق جزء من أهداف التنمية. ولكن الأمم لا تتوقف ولا تتثاءب فلا بد من الاستمرار في الجري والإبداع وتحقيق المزيد للأجيال الجديدة التي لن تسأل عما قدم لها في السابق؟ ولكن عما تقدمه لها الآن؟ وبأي صورة وشكل تعمل؟ وهل هي وفق رؤية الحاضر أم بأسلوب الماضي؟ إذن ما كان صالحا في زمن لن يكون في الغالب صالحا لزمان آخر وأجيال جديدة! ولهذا صدر قرار مجلس الوزراء بإنشاء هيئة للإسكان والتنمية العقارية في 8/5/2007، فالحاجة تتعدى التمويل بالطريقة التقليدية إلى الابتكار وتحقيق أهداف تنموية متجددة.
أود أن أقول إنه لا يمكن أن نستمر في طريقة التفكير نفسها التي وصل عمرها إلى نحو 35 سنة فيما يخص صندوق التنمية العقارية، يجب أن تكون لدينا آلية عمل مبتكرة وعقول متجددة للاستمرار في خدمة الوطن والمواطن بشكل يخدم أهداف الدولة وأيضا يحقق التنمية المطلوبة للمواطن. الصندوق وبآلية العمل الحالية هو بالضبط "كالقربة المشقوقة"، فالدعم الذي يحصل عليه من الدولة يذهب في طريق واحد ولا يعود لأن نسبة التسديد متدنية جدا وتبقى الديون مجهولة المصير، فهل هي ديون متعثرة يمكن أن ترجع أم هي ديون معدومة رغم أن المنازل مرهونة للدولة؟ وهو الأمر الذي يجعل طوابير الانتظار في زيادة، لهذا السبب لم تستطع كل الجهود التي بذلتها الدولة تحقيق أهدافها ولن تستطيع تحقيق الرضا العام مما يقدمه الصندوق رغم الأرقام الفلكية المقدمة لدعم عمل الصندوق (92 مليار ريال)، وبالتالي ما ذنب طوابير الانتظار التي قد تضطر إلى الانتظار ربع قرن آخر للحصول على تمويل؟ لذلك وجوده بهذا الشكل الذي هو عليه الآن والآلية الحالية لن يساعد المواطن ولن يساعد الصندوق نفسه ولن يخدم أهداف الدولة ولن يساعد القطاع المالي عموماً على الاستفادة من الدورة المالية لتلك الأموال التي تذهب في اتجاه واحد، فهو موجود وغير موجود في الوقت نفسه, وبالتالي يصبح السؤال أمام المواطن: هل ينتظر الصندوق فربما يتغير الحال ويحصل على قرض أم يذهب للقطاع المالي الذي بدأ يزحف ببطء نحو التمويل العقاري بتكاليف باهظة على كاهل المواطن؟ ومعلوم أن نحو 20 في المائة فقط من المواطنين يمتلكون سكنا لهم ولأسرهم فيما 80 في المائة يعيشون على الإيجارات، ويحتاجون إلى أن يروا ضوءا في نهاية النفق.
وهنا أطرح للمسؤولين الاقتراح التالي لحل مشكلات الصندوق القديمة والمتجددة وتحويله من مركز تكلفة على الدولة إلى مركز مساند للدولة وللمواطن وللأهداف العليا للتنمية المستدامة. أقول وبكل بساطة ماذا لو جاء مستثمر وعرض عليكم شراء ديون الصندوق غير المسددة منذ تاريخ بدء عمله (1396هـ) وحتى اليوم, إضافة إلى الاستعداد التام للتوقيع الرسمي بعدم قيامه بمطالبته المواطنين بتسديد تلك الديون المتراكمة عليهم؟ نعم يعرض عليكم شراء ديون الصندوق القائمة (سواء عُرفت على أنها متعثرة أو ديون معدومة) ولن يطالب المواطن بتسديدها! لا بل سيدفع للمواطنين عوائد من خلال تحويل تلك الديون إلى استثمارات لهم بعائد قد يصل إلى 10 في المائة سنوياً! أيضا ماذا لو عرض على الصندوق كذلك زيادة القروض من 300 ألف ريال قيمة القرض الواحد التي لا تقيم أساس بيت الآن، فما بالك بتأسيس فيلا إلى مليون ريال للقرض الواحد بعائد على تلك الديون يدفع للمواطن بنسبة أيضا قد تصل إلى 10 في المائة سنوياً! وكذلك يضمن أنه وبعد إعادة هيكلة عمل الصندوق سيكون للمواطن الحق في الحصول على القرض خلال 48 ساعة (لن يكون هناك قوائم انتظار، لا بل سيضطر الصندوق لإنشاء إدارة تسويق لمنتجاته وحث المواطنين على الحصول على التمويل كما تفعل البنوك الآن وينافسها)، وسيستطيع الصندوق أن يحقق أرباحاً للدولة أو المؤسسين له خلال مدة لا تتجاوز خمسة إلى عشرة أعوام أيضا! هل هذا ممكن؟ إذا تغير آلية العمل ووجدت الرغبة قبلها أعتقد أن ذلك ممكن، وعندئذ يمكن أن ندخل في التفاصيل, وهي موجودة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي