رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


السفر وممارسات بعض السفارات

[email protected]

تبدأ الأسر السعودية وغيرها من المقيمين على أرض المملكة التوافد على السفارات الأجنبية العاملة في الرياض مع إطلالة الصيف بهدف الحصول على تأشيرات السفر وذلك لعدة أغراض منها السياحة الخارجية، العلاج، التجارة، والدراسة. ولقد سمعت من بعض المراجعين لبعض السفارات حتى لا نعمم على كل السفارات ملاحظات تحتاج إلى وقفات لمناقشتها ومعرفة دلالاتها ومعانيها. تلجأ بعض السفارات إلى وضع ملصقات أو لوحات تحمل عبارات يفترض أنها إرشادية لكنها تحتاج إلى وقفة عندها لمعرفة دلالتها ومدى مناسبتها. علقت إحدى السفارات على مدخلها عبارة تقول يجب عليك التحلي بالأخلاق مع المسؤول، وعبارة أخرى تقول تعامل بلباقة. وبالتمعن في هذه العبارات يشعر المرء بأنها تفترض أن جميع المراجعين يتسمون بالغلظة، والفظاظة، وقلة الأخلاق. وما من شك أن هذه العبارات تستثير الفرد منا ذلك أننا أمة لها قيم وأخلاق وديننا يحثنا على حسن التعامل، ولين القول، والبشاشة، والابتسامة. وهذا لا يعني عدم وجود من قد لا يتسمون بهذه الخصائص، لكن افتراض أن جميع المراجعين يحتاجون لمثل هذه التعليمات التي تشكل جزءاً من شخصية وتكوين إنسان هذه البلاد افتراض خاطئ. وفي ظني أنه لا يتسق مع الأعراف الدبلوماسية التي يفترض مراعاتها من قبل السفارة العاملة على أرض الوطن أياً كان هذا الوطن، فالسفارة تمثل وطنها ولابد أن تمثله أحسن تمثيل أمام أبناء البلد الذي تعمل فيه. ولعل الاحترام والتقدير لأبناء الوطن يمثل بديهية أساسية في هذا التمثيل وهل سيكون من المقبول لأبناء أي وطن توجد فيه سفارة سعودية أن يكتب باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو الإسبانية مثل هذه العبارات التي يظن أنها إرشادية، لكنها في حقيقة الأمر غير ذلك وجارحة للمشاعر؟!
ويتساءل المرء وبمرارة: هل سفارات هذه الدولة التي كتبت سفارتها في الرياض هذه العبارات تكتبها في البلدان التي تعمل بها؟ أي هل تكتب سفارتها في واشنطن أو لندن أو باريس مثل هذه العبارات ؟! سؤال لا أجد الإجابة عليه لأني لم أراجع سفارات هذا البلد في تلك البلدان، لكن المرجح لدي أنها لا تكتبها، وما من شك أن هذا التفاوت له دلالته ومغزاه في النظرة للشعوب وتصنيفها إلى شعوب متحضرة وأخرى غير متحضرة، وشعوب تتعامل بأدب وأخلاق وأخرى تفتقد ذلك. ومهما كان الوضع من حيث وجود هذه العبارات أو عدم وجودها في كل سفارات هذا البلد الذي كتبت سفارته في الرياض هذه العبارات، فالواجب يقتضي منا نحن السعوديين والمقيمين على هذه الأرض أن نتصرف ونتعامل وفقما حثنا عليه ديننا ولا نجعل لهذه السفارة أو غيرها فرصة كتابة هذه العبارات أو غيرها. إن تصرفنا وتعاملنا بأدب وأخلاق وبصورة حضارية سيضطر هذه السفارة وغيرها من السفارات إلى إزالتها.
توقفت عند بعض العبارات التي ذكرها لي مراجعو هذه السفارة حيث وضعت عبارة تقول منح التأشيرة حق سيادي، وأنت الآن في سفارة كذا، وهذا يعني أنك في أراضي البلد كذا، ولا شك أن هذه العبارات صحيحة وتنطبق على كل السفارات في كل أنحاء العالم مع عدم احترام بعض الدول لهذه الأسس والأعراف الدبلوماسية، إذ سبق للولايات المتحدة أن دخلت سفارات دول أخرى على الأرض الأمريكية وانتهكت حرمتها وقامت بتفتيشها، مخالفة بذلك كل الأعراف الدولية.
من أغرب العبارات المكتوبة أن الرسوم تدفع مقدماً ولا تستعاد حتى لو لم تمنح التأشيرة، وفي هذا الأمر مجموعة تساؤلات أولها: لماذا التفاوت بين الدول في هذا الشأن، حيث نجد أن بعض الدول لا تطلب أية رسوم، بينما دول أخرى تطلب رسوماً عالية؟ ثم لماذا لا تعاد الرسوم وهي موضوعة في الأساس للتأشيرة؟ فإذا لم تمنح التأشيرة فما المبرر من الاحتفاظ بها من قبل السفارة؟! لا تتوافر لدي إجابة على هذا السؤال، ولعل السفارة التي تعمل بهذا الإجراء لديها الإجابة. ومن العبارات ذات العلاقة برفض التأشيرة عبارة تقول السفارة ليست ملزمة بتفسير سبب عدم منح التأشيرة، وأعتقد أن مثل هذا الإجراء مجحف في حق المسافر الذي بذل جهداً، وأضاع وقتاً، ووقف في الشمس لساعات طوال حتى تسنى له فرصة دخول السفارة بالإضافة إلى إضاعة المال مقابل تأشيرة لم تمنح. هذا الإجراء مجحف لأنه يتنافى مع التعامل الحضاري الذي يفترض أن يسود، ومجحف لأنه لم يمنح التأشيرة، كما أنه يعطي انطباعاً بأن سفارة تعمل بهذا الإجراء تحول دورها إلى دور الجابي للأموال ونسيت الدور الأساسي والمتمثل في تمثيل بلدها بأحسن صورة، تقدم من خلالها ثقافته ومبادئه وقيمه وشعره وأدبه، خاصة أن هناك تراثاً مشتركاً بين بلد هذه السفارة التي علقت هذه العبارات والثقافة العربية والإسلامية.
من حق طالب التأشيرة أن يعرف لماذا رفض طلبه حتى يصحح الخطأ الذي يوجد لديه وبسببه رفضت التأشيرة، أما أن يترك الأمر غامضاً فهذا لا يقرب بين الشعوب بل يزيد الفجوة بينها خاصة إذا رفض طلبه وتم التعامل معه من قبل السفارة بصورة تخدش كرامته وبرسوم عالية.
في ظني أن بعضاً مما ورد في هذه الملاحظات حول ممارسات بعض السفارات، هو اجتهاد لا تحكمه نظم دولية ولا أعراف دبلوماسية، تقرره السفارة المعنية بالاتفاق مع وزارة خارجيتها وهذا يفسر لنا التفاوت بين ممارسات سفارات البلد الواحد العاملة في بلدان متعددة، إذ تُطلب رسوم مقابل التأشيرة في بلد بينما لا تطلب في بلد آخر، والتفاوت بين السفارات التي تعمل في بلد واحد فسفارة تطلب رسوما وأخرى لا تطلب، وبعضها لها شروط لا تطلبها سفارة أخرى، وتوضع عبارات يدعى أنها إرشادية في سفارة تعمل في عاصمة من العواصم بينما لا توضع هذه العبارات في السفارة المماثلة لها ولكن في عاصمة أخرى. وأعتقد أن وزارة الخارجية ربما يكون لها رأي أو تفسير بشأن بعض هذه الممارسات ومدى قانونيتها واتفاقها مع الأعراف الدبلوماسية، فهل يحق لأي سفارة أن تفرض الرسوم على التأشيرات، أم أن ذلك يتم بالاتفاق بين الدولتين ؟ وهل يحق للسفارة أن تضع ما يفترض أنه عبارات إرشادية حتى لو كان فيها ما يسيء للمشاعر، وإذا كانت القوانين والأنظمة الدولية والأعراف الدبلوماسية تجيز ذلك فهل المعاملة بالمثل هي الأفضل في مثل هذا الوضع؟
إن المعاملة بالمثل ستكون نظاماً جيداً، رغم أنها قد تكون أكثر فائدة لدولة دون أخرى، فبعض الدول يكثر الراغبون في السفر إليها إما لجمال طبيعتها أو اعتدال جوها أو تميز مصحاتها ومشافيها، لكن دولاً أخرى سيكون طالبو السفر إليها قليلون نظراً لعدم توافر محفزات السفر فيها مما يفقدها فرصة الاستفادة من نظام المعاملة بالمثل .
وبعيداً عن التعامل الرسمي بين الدول والاتفاقات الدولية والأعراف الدبلوماسية، يمكن أن نفرض احترامنا على الآخرين بسلوكنا وتصرفاتنا وحسن أخلاقنا، إذ بهذه الخصائص نجد هويتنا الثقافية والوطنية ونرسم صورة في ذهن الآخرين تضطرهم في النهاية إلى تجنب كل ما يثير مشاعرنا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي