القنوات الفضائية .. استثمار على أنقاض الفراغ
في عصر التقنية لا تستطيع التنبؤ أو التوقع للمستقبل المنظور، فقطار التقنيات يكاد يزيد سرعته بعد كل محطة يلتقط أنفاسه فيها، وكان ولا يزال الحديث عن الاستغلال السلبي للتقنية محصورا في مجتمعاتنا التي تعاني فجوة ثقافية كبيرة على مستوى الشباب والأسباب كثيرة والحلول العملية متوقفة أو موقفه.
وقد ذكر الزميل الأستاذ عبد المجيد الفايز في مقال سابق له في هذه الصحيفة بعنوان "رزق الهبل على المجانين" استنادا إلى تصريح لمدير شرطة دبي أن إحدى القنوات الموجودة في مدينة دبي الإعلامية قد حققت نحو 25 مليون درهم خلال شهر واحد فقط قيمة الرسائل والمكالمات، ومن منظور استثماري وحسابيا فرضيا، قررت أن أقوم بحساب عشوائي للمبالغ وقمت بحساب عدد الرسائل في الدقيقة الواحدة لإحدى القنوات الفضائية خلال يوم من أيام الأسبوع وليس عطلة نهاية الأسبوع التي بلا شك تزيد في عدد الرسائل، نحو 20 رسالة في الدقيقة الواحدة أي 1200 رسالة في الساعة. وافترضت أن هذا العدد لمتوسط 15 ساعة يوميا ليكون المجموع 18 ألف رسالة يوميا، وعلى أساس أن تكلفة الرسالة الواحدة هي خمسة ريالات، ليكون إجمالي مبيعات الرسائل 90 ألف ريال يوميا أي أكثر من 32 مليون ريال سنويا للقناة الواحدة، وعلى افتراض أن لدينا متوسط متحفظ جدا لـ 50 قناة تستقبل هذه الرسائل في الظروف العادية أي أننا لم ندخل ضمن هذه الفرضية برامج الواقع الكثيرة جدا من مسابقات غنائية وشعرية وغيرها الكثير الكثير، أي أن 50 قناة في ظل المعطيات السابقة تستقطب 1.64 مليار ريال سنويا. وأنا هنا أضع توقعاتي المبنية على المشاهدة فقط وليس على دراسة علمية متأنية بأن المبالغ التي ينفقها شبابنا أو "متشببينا" على الرسائل النصية للقنوات الفضائية والإذاعية بجميع أنواعها يتجاوز خمسة مليارات ريال سنويا، وهو مبلغ يكفي لإنشاء 100 قناة فضائية متكاملة توفر وظائف للعاطلين وتسهم في سد فراغ الشباب وتدعم التوجهات الوطنية.
وهذا الحساب يتوافق مع ما أكدته دراسة لقسم الفنون السمعية والبصرية في الجامعة الأمريكية في القاهرة قبل أربع سنوات أن القنوات العربية الفضائية حققت أرباحاً، قُدرت بـ 30 مليون دولار، وأن النصيب الأكبر من هذه الأرباح ذهب لقنوات الموسيقى، وهذا يبرر الزيادة الكبيرة في عدد القنوات الفضائية، وكذلك يبرر التركيز على فراغ العقول والجيوب للمستمع العربي.
ولذلك فلا غرابة أن تشاهد بعض القنوات و قد غطت شاشاتها العديد من أشرطة الرسائل لدرجة أن بعضها يخصص أقل من ربع شاشة الملهى الفضائي لمذيعات الهم. ولا عجب فالمعادلة الاستثمارية تعطي مؤشرا كبيرا على نجاح المنتج: شباب + فراغ عاطفي و ثقافي مركب + طموح مقتول + غياب البدائل + هاتف جوال + قناة فضائحية، ولكم تحديد الأرباح التي تجنيها القنوات ومن خلفهم شركات الاتصالات المحلية.
في عصر الجشع الرأسمالي، المبررات موجودة لأصحاب القنوات الفضائية وكذلك لشركات الاتصالات العربية، فالعائد المادي على الاستثمار هو أساس المعادلة التجارية لهم، أما العائد الأخلاقي والثقافي والاقتصادي على المجتمع فهو أمر قد تركوه لنا لنعلق إخفاقاتنا عليه. ولذلك فإن العمل التجاري لتلك القنوات له ما يبرره استثماريا إذا ما علمنا أن تكلفة إنشاء قناة فضائية هابطه قليلة جداً مقارنة بالعائد على الاستثمار، ومن خلال الأرقام التي سبق ذكرها فإن تكلفة المشروع وهو إنشاء القناة لا يتجاوز 50 ألف دولار وقد يتم تغطيتها خلال أسبوع واحد فقط بما في ذلك تكلفة التشغيل.
إن الحل ليس في محاولة إجبار شركات الاتصالات المحلية على الحفاظ على أخلاق الشباب وأوقاتهم، ولكن الحل يكمن في إيجاد البدائل ذات القيمة المضافة لبعض الشباب المميز والطموح الذي وجد نفسه بلا بدائل مفيدة واضطر إلى ركوب موجة الغرام الفضائي.