نصيحتي لكل من يعتزم العمل في مجال التطوير الإسكاني ..
تطوير المساكن وبكميات كبيرة وبأنواع مختلفة (شقق/ دبلكسات/فلل .. إلخ) أصبح حديث العقاريين, ذلك أن الفجوة بين المطلوب والمعروض أصبحت ملموسة من قبل الجميع دون الحاجة إلى إجراء دراسات، فما بالنا والدراسات المنشورة تثبت ضرورة إسراع المجتمع العقاري بالتركيز على تطوير المساكن.
ومن ثمار هذا الحديث والحوار الصحي حول ضرورة اغتنام فرصة الفجوة الكبيرة بين المعروض والمطلوب أن بدأنا نسمع عن تحالفات عقارية مالية، وعقارية هندسية, وعقارية تسويقية لتأسيس كيانات جديدة تعمل في التطوير الإسكاني أو تطوير مشاريع إسكانية تسهم في مواجهة الطلب المتنامي على المساكن، خاصة بعد أن أعلنت الحكومة عن عزمها على تطوير آليات تمويل المشاريع العقارية وآليات تمويل المواطنين لشراء ما يناسبهم من مساكن في الوقت الملائم بضمان دخولهم الشهرية بالتقسيط طويل المدى الذي قد يصل إلى نحو 25 سنة.
وكل ذلك جميل ومطلوب, ولكن ما نخشاه هو أن نكرر أخطاءنا السابقة في تطوير مساكن متواضعة الجودة باهظة الثمن متهالكة القيمة في أحياء سكنية يستمر تطويرها على فترات زمنية طويلة، أحياء تفتقد الخدمات والخصوصية ولا تمنح ساكنيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
لذا فإنني أنصح العقاريين الذين يعتزمون الاستثمار في التطوير الإسكاني مراعاة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والصحية والخدمية الموازية لعملية تطوير المساكن، وهذه الأبعاد لا يمكن مراعاتها والوفاء بمتطلباتها إلا من خلال تبني فكر اقتصادات الحجم الكبير التي تعتمد أسلوب الإنتاج المكثف الذي يعين كثيراً على خفض التكلفة الإنتاجية للحد الأدنى الممكن، وتقديم المنتج للعميل بأسعار لا تقبل المنافسة، كما يمكن الشركة المطورة من التعامل مع أفضل المصممين وأفضل مقاولي التنفيذ بمعدلات أسعار لا تستطيعها موارد المواطن الذاتية حتى تحصل علي أفضل منتج من حيث الجودة، وبذلك تتيح الشركة للعميل فرصة يستحيل عليه الحصول عليها بمفرده.
الإنتاج المكثف أيضا يمكن الشركة المطورة من شراء أراض خام من المالك مباشرة دون الحاجة إلى شراء أراض قليلة متناثرة مرت على خمسة إلى تسعة متداولين قبل أن تستقر لدى من يريد تطويرها. وهذا دون أدنى شك سيسهم أيضا في خفض التكلفة على المشترين ما يرفع قدرتهم على شراء المناسب من المساكن المطورة، كما يمكن الشركة أيضا من التحالف مع كبريات الشركات القادرة على تقديم الدعم الفني فيما يتعلق بإدارة المشاريع بكفاءة واقتدار لضبط الثلاثي الأهم (الجودة، التكلفة، والوقت)، وهذا يعني بالتبعية تطبيق الشركة المطورة أفضل نظم الجودة وأيضاً نظم هندسة القيمة على كل المراحل الإنتاجية، ما يمكن الشركة من تقديم منتج عالي الجودة (حسب المعايير العالمية).
الإنتاج المكثف كذلك يمكن الشركة من تطبيق فلسفة التطوير الشامل لتطوير الأحياء السكنية المتضمنة جميع الخدمات الأساسية والترفيهية والتجارية, إضافة إلى المساكن عالية الجودة التي تصلح كقاعدة صلبة لتطبيق صيغ التمويل كافة (رهن عقاري، إيجارة, مرابحة، استصناع .. إلخ) وهو ما يحفز الجهات التمويلية على تمويل الراغبين بشراء تلك المساكن متعاظمة القيمة التي تصلح لتكون ضمانا طويل الأجل يضمن حقوق الممولين في حال تعثر المستفيد, لأي سبب كان، وهذا بطبيعة الحال يرفع القوة الشرائية للمواطن ليشتري المسكن الملائم في الوقت المناسب بأقساط شهرية تقارب قيمة الإيجارات التي يدفعها حاليا إلى غير رجعة ما يشكل هدرا لإمكانات الفرد الاقتصادية.
وإذا كانت هذه النصيحة مناسبة، فإنني أعززها بالنصيحة الأخرى التي أرجو أن يأخذها المطورون على محمل الجد، حيث يجب أن يعرف المطورون أن الفرق بين تطوير بضع وحدات سكنية تختلف تماما عن تطوير كميات كبيرة من الوحدات السكنية، فالفرق شاسع بين الهياكل الإدارية والمالية والتسويقية والقانونية في كلتا الحالتين، فمن نجح في تطوير بضع وحدات سكنية وحقق أرباحا مناسبة عليه أن يدرك أن القفز لتطوير كميات كبيرة ومتنوعة من الوحدات السكنية قضية تختلف تماما وتستدعي الاستعانة بكل أنواع الاستشارات قبل الشروع في أي خطوة. نعم, التطوير الشامل يستدعي جهودا تخطيطية وتنظيمية وتأهيلية كبيرة منعا للوقوع في سلسلة من الأخطاء التي ربما تدخل المطور في نفق مظلم يودي به في مهاوي الردى.
ختاما لا يفوتني أن أذكر الإخوة المطورين بأن لديكم أهدافا وأمانات المدن لديها أهدافا وأفراد المجتمع لديهم أهدافا, وليس أجمل من إيجاد معادلة تحقق أهداف الجميع من خلال التواصل والتنسيق مع أمانات المدن التي لن تألو جهدا في تحقيق أعلى درجات التعاون مع المطورين لتحقيق أهداف الجميع دون تغليب مصلحة طرف على آخر.