رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


هل من لفتة تنفخ روح الحياة في هذا المرفق

[email protected]

ما أسعد أن تسمع أو تقرأ خبرا حول افتتاح مدرسة هنا أو هناك، أو مستشفى، أو مصنع! وما أكثر هذه الأخبار في السنوات الأخيرة! مما يثلج الصدر، ويحدث الغبطة لدى جميع المحبين للوطن والأمة. وغني عن التأكيد على أهمية الصحة والتعليم في حياة الأفراد والأمم على حد سواء، فالتعليم يزيد المعرفة، وينمي العقل والمدارك، ويكسب المهارات بما فيها المهارات الإدارية، أما الصحة فإنها تحقق القوة والعافية، وبالصحة والعلم يزيد الإنتاج ويتحسن وتكون التنمية الحقيقية التي يتطلع لها كل فرد.
وتمثلا للحديث "ما أُنزل داء إلا معه دواء علمه من علمه وجهله من جهله", نجد الخدمات الصحية في بلادنا تتسع في كل يوم وتنتشر في أرجاء البلاد مدنا كبرى، ومدن محافظات، وتشكلت لدينا منظومة مستشفيات عامة ومتخصصة، ومع الطفرة في المجال الصحي الحكومي رافق ذلك توجه القطاع الخاص لهذا النوع من الخدمة، لكن الكثير من الناس لا يستطيع الاستفادة من خدمات مستشفيات القطاع الخاص نظرا لقلة ذات اليد، ولذا فلا غرابة أن نلمس تذمر بعض المواطنين من خدمات القطاع الصحي، إما لطول الانتظار الذي يحتاج إليه المريض وإما لسوء الخدمة التي يتلقاها إذ لا يجد العناية التي تتناسب مع حجم معاناته وتقلل منها. وحتى تكون معالجة الموضوع واضحة ومباشرة يحسن أن نسأل: هل المنشآت الصحية التي نشيدها في كل بقعة يتوافر لها من الإمكانات المادية والبشرية ما يكفي حتى تؤدي أدوارها بالشكل الصحيح وتكون الخدمة بالصورة التي تخفف من معاناة المريض وآلامه؟
المباني ضخمة وجميلة وأنفق عليها الكثير من الأموال، لكن المتخصص هو الأهم سواء كان طبيبا، أو فنيا يعمل على جهاز، أو ممرضا يسلي المريض بابتسامة أو كلمة طيبة، ومع هذه تأتي الإجراءات الإدارية وسلاستها لتمثل أمرا مهما يكفي المريض العناء ويقلل من الشقاء الذي يعانيه فيما لو توافر ذلك.
إن المبنى الجميل والكبير لا يكفي وحده لتقديم الخدمة المناسبة رغم أهمية ذلك، وإذا كان مستشفى محافظة الزلفي قد كلف ما يقارب الـ 50 مليون ريال في إنشائه، فإن الأمر يتطلب توفير الكفاءات العالية والمتخصصة والأجهزة والمعدات الطبية اللازمة حتى يجد أبناء المحافظة أثرا جيدا لهذه المنشأة، أما أن يقام المستشفى ويترك دون الكفاءات المؤهلة تأهيلا جيدا وفي كافة التخصصات، فهذا من شأنه أن يولد الإحباط واليأس والتذمر، وإدراكا من أبناء المحافظة المتخصصين في المجال الطبي ـ جزاهم الله خيرا ـ للقصور الذي يوجد في مستشفى محافظتهم فقد نظموا برنامج الطبيب الزائر حيث يذهب فريق منهم وفي تخصصات متنوعة في نهاية الأسبوع ويعالجون الكثير من المرضى، ومع أهمية هذا البرنامج وريادته إلا أنه لا يحل المشكلة، فالمريض لا يحتمل الانتظار خاصة أن هؤلاء الأطباء ـ مشكورين ـ يفدون من مناطق متفرقة من المملكة.
لقد ترددت كثيرا في الكتابة حول هذا الموضوع حتى لا يظن أن الانتماء للمحافظة هو السبب، لكن ما سمعته من مريضين تعاملا مع المستشفى جعلني أتجاوز هذه الحساسية، خاصة أني أقرأ وأسمع الكثير من الشكاوى حول مستشفيات في محافظات أخرى، وما ينطبق على مستشفى الزلفي قد ينطبق على مستشفيات أخرى. المريض الأول كان يعاني من تضخم في البروستاتا المفاجئ ما أحدث لديه احتباسا في البول، قد ذهب إلى المستشفى وإلى قسم الطوارئ، وقد رفض الطوارئ التعامل مع حالته حتى يحضر تحويلا من مستوصف الحي الذي يقطن فيه، ولم يشفع للمريض الألم الذي يعانيه، فاضطر رغم أنفه إلى الذهاب إلى المستوصف والذي سبق له مراجعته قبل مجيئه إلى المستشفى ورفض إعطاءه تحويلا، لكن المستوصف بعد عودة المريض من المستشفى تعاطف مع المريض وأعطاه التحويل. ترى هل النظام الصحي يسمح بالتعامل مع مريض في حالة إسعافية بهذه الصورة بين المستوصف والمستشفى من أجل التحويل؟! وهل يفقد المستشفى أو المؤسسة الصحية معنى مشفى بمثل هذه الممارسة أو غيرها من الممارسات؟ وللعلم فالمريض اضطر للمجيء إلى الرياض وعمل عملية في أحد المستشفيات الخاصة وبصورة عاجلة نظرا لصعوبة الحالة.
أما الحالة الثانية فكانت لامرأة ودلت في أحد مستشفيات الرياض الحكومية، وأجريت لها ولادة قيصرية وعند خروجها من المستشفى أبلغت بأن دبابيس العملية من الممكن أن يخرجها أي مستشفى من المستشفيات في المملكة ـ وذلك لسهولتها كما أعتقد لكن المفاجأة أن المريضة عندما ذهبت لمحافظة الزلفي وراجعت المستشفى بهدف إخراج الدبابيس، أبلغت أنه لا يوجد من يمكنه عمل ذلك فاضطرت المريضة للعودة إلى الرياض مع ما يعنيه ذلك من معاناة، وراجعت المستشفى الذي ولدت فيه بهدف إخراج الدبابيس، القصتان ليستا من الخيال، بل هي حقائق تكشف عن قصور واضح في منشأة صحية قصور في الإجراءات، وقصور في الكفاءات التي يفترض أن تتوافر في المستشفى إذا أريد له أن يخدم أبناء المحافظة ويقدم لهم الرعاية اللازمة حتى لا يضطروا إلى البحث عن العلاج في الرياض، أو في القصيم، مع ما يعنيه ذلك من مشقة، وعناء بالغين، وصعوبة في الحصول على الخدمة، فمستشفيات الرياض والقصيم تعاني من كثرة المرضى المراجعين لها، فكيف إذا تحول عليها أبناء المحافظات أو المناطق الأخرى. إنني على يقين أن وزارة الصحة لا ترضى بمثل هذا الوضع كما أن فلسفتها في العمل ترفض الروتين والإجراءات التي تكون على حساب صحة الإنسان، لكن المواطن لا يرضى مع توافر الاعتمادات المالية الكبيرة للقطاع الصحي أن يوجد لديه مبنى يسمى مستشفى لكن تنقصه الكفاءات المهنية العالية أو الأجهزة والمستلزمات الطبية اللازمة لتقديم الخدمة بالصورة المطلوبة. إن التخطيط السليم والمراقبة والمتابعة الجيدة كفيلة باستثمار الاعتمادات المالية العالية بما فيه مصلحة صحة الإنسان وعافيته، وعودا في بدء نقول: بالصحة والعلم تكون التنمية الحقيقية التي نسعى إلى تحقيقها في وطننا العزيز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي