رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تنمية الإنسان من خلال الإسكان .. مشروع الأمير سلمان مثلا!

سعدت خلال الأسبوع الماضي بزيارة لمشروع الأمير سلمان للإسكان الخيري، بناء على دعوة من الإخوة الأفاضل القائمين عليه، ورغم أنني أمتلك معلومات كنت أحسبها كافية، عن المشروع وأهدافه، من خلال ما ينشر في الصحف المحلية، أو يعلن في مناسباته الاحتفالية، إلا أنني اكتشفت خلال هذه الزيارة مدى صدقية المثل السائر، "ليس من رأى كمن سمع"، فالمشروع ليس عبارة عن مساكن يحصل عليها المحتاجون دون مقابل لكي يخلدوا فيها للدعة والراحة والنوم، بل هو وسيلة لتنمية الإنسان عن طريق دفعه إلى العمل والإنتاج، بتوفير وسيلة تؤويه هو وأفراد أسرته، وتوفر لهم الأمان والاستقرار الاجتماعي، بعيدا عن التفكير في مشكلة السكن، والانشغال بها عن العمل.
كما اكتشفت أن أهداف المشروع المرسومة وهي:
- إنشاء مجمعات سكنية مهيأة لاحتضان المحتاجين ومساعدتهم على تنمية قدراتهم الذاتية للخروج من دائرة الفقر!
- تقديم برامج تنموية لساكني وحدات المشروع، من أجل تأهيلهم ومساعدتهم على التحول إلى منتجين.
- العمل على استقرار الأسر الفقيرة بتوفير المساكن المناسبة لهم.
- الحد من المظاهر والسلوكيات السلبية المنتشرة في أوساط الفقراء، التي تشجع على الاستمرار في حالة الفقر.
- العمل على إيجاد وقف مؤسسي دائم تجسيدا لمفهوم الصدقة الجارية.
- الإسهام في مكافحة الفقر ضمن الجهود التي تبذلها الدولة وتشارك فيها مؤسسات المجتمع.
- المشاركة في التنمية المتكاملة اقتصاديا واجتماعيا وعمرانيا من خلال تقديم منظومة متكاملة من البرامج التنموية.
هذه الأهداف قد تحققت كلها من خلال ما رأيت... بيد أن أهدافا أخرى مصاحبة لاحظت أن المشروع قد حققها، وأنها لا تقل أهمية عن الأهداف العامة المرسومة للمشروع، ومن ذلك:
- توفير بيئة صحية تسهم في وقاية الساكنين من التعرض للأمراض التي تصاحب عادة العيش في بيئة غير نظيفة، أو في مساكن لا تتوافر بها الشروط الصحية.
- تقوية صلات الترابط الاجتماعي، والتعاون على فعل الخير بين الساكنين، لتكرار لقاءاتهم في الساحات والحدائق العامة للمشروع، أو أثناء تأدية الصلوات في جامع المشروع، الذي لاحظت كثرة مرتاديه من الشباب والأطفال على وجه الخصوص.
- الإسهام في الحد من ارتكاب الجريمة والمخالفات والممارسات السلبية التي تصاحب عادة العيش في الأحياء القديمة، ذات الأزقة الضيقة والبيوت المتلاصقة، وذلك لما يتميز به المشروع من شوارع وميادين وأبنية ذات أبعاد تخطيطية متطورة.
وبعيدا عما يصاحب عادة مشروعات الإسكان الشعبي في بعض الدول، من نظرة دونية، بسبب تواضع مستوى تلك المشروعات، مقارنة بما يحيط بها من أحياء، فإن العناية التي يلقاها المشروع، سواء من ناحية اختيار المواقع، أو أنماط المباني، أو وضعه البيئي، يجعله متميزا على ما يجاوره من مساكن، وهذه نقطة، أحسبها مهمة جدا، تسهم في الارتقاء بالنظرة إلى المشروع، والإقبال عليه.
هذا إلى جانب ما يميز المشروع من سمات أخرى لفتت نظري وأنا أتجول في أنحائه وأطلع على نماذج وحداته مثل:
- الاستقلالية في السكن، فهو أشبه ما يكون بالفلل الصغيرة المتناسقة، المنفصلة عن بعضها، والمستقلة بخدماتها ومداخلها وأفنيتها الداخلية.
- توافر الخصوصية الاجتماعية والعائلية التي تجعل المسكن مستقلا بذاته، بعيدا عن محاذير الكشف والاختراق من المساكن المجاورة.
- توظيف النظرة الاقتصادية بكل أبعادها في المشروع، بما في ذلك الخدمات والمرافق الخاصة به، من شوارع وميادين وأرصفة وحدائق، إلى جانب الاهتمام بالجودة والطابع الجمالي، والعناية باختيار المواد الملائمة للبيئة، ولعل أكثر ما يلفت النظر في هذا الجانب هو انخفاض التكلفة، إذ علمت أنها لا تكاد تتعدى 250 ألف ريال للمسكن الواحد، الأمر الذي لا يكاد يخطر على البال في الوقت الحاضر، وهذا في نظري معزو إلى توافر الكفاءة وحسن الإدارة والتدبير لدى القائمين عليه.
- إدخال اللمسات التراثية الجمالية المستمدة من الطابع المحلي للبناء في كل مظاهر المشروع، وهو ما أعتبره إحياء للتراث وتأصيلا له في البناء المحلي، يُحسب للمشروع.
- التكفل بصيانة المشروع ومرافقه، بما في ذلك الوحدات السكنية من الداخل، الأمر الذي يكفل استمرارية الجودة وكفاءة الأداء وحسن المظهر لكل مكونات المشروع.
إن الشعار الذي يرفعه المشروع وهو "تنمية الإنسان من خلال الإسكان"، أراه قد تحقق على أرض الواقع، لا سيما وإدارة المشروع تعمل على تقديم برامج تدريبية تنموية دون مقابل لتأهيل الساكنين، وتنمية قدراتهم الذهنية والإنتاجية، بهدف تحويلهم من محتاجين مستهلكين إلى عاملين منتجين، مع السعي لهم لدى الجهات التي توفر القروض التنموية الصغيرة الموجهة للمشروعات متناهية الصغر، لمنحهم قروضا ميسرة تساعدهم على الإنتاج والاندماج، ضمن فئات المجتمع العامل، وهو ما يعزز شعورهم بالولاء والانتماء، وحب الوطن.
وأختم انطباعاتي بالقول: إن هذا المشروع يعد من أولى الأعمال الخيرية وأفضلها، التي يجب أن يتنادى لدعمها الموسرون القادرون من أبناء البلاد، الذين غمرهم فضلها، ونهلوا من خيرها، وهو إلى جانب كونه بابا لمن ينشد الخير والمثوبة، فهو مجال واسع لإثبات الوفاء، واستشعار الرضى، وأداء حق المواطنة.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي