رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


التعليم الرابح الأكبر من إلغاء مركزية اختبار الثانوية

[email protected]

أسهمت مركزية اختبار الثانوية العامة في إضفاء نوع من المصداقية على شهادة الثانوية العامة، باعتبار أن 30 في المائة من درجة الطالب أو الطالبة في أيدي اللجان المركزية للاختبارات لا في أيدي المدارس الثانوية، وجعل هذه الجزئية من الدرجة النهائية هي الحاسمة في تحديد معدل الطالب, وبالتالي فرص قبوله في التخصصات المتميزة في الجامعات السعودية. فنسبة لا بأس بها من الطلاب يحصلون على الـ 70 في المائة المتبقية شبه كاملة، نتيجة التضخيم المتعمد وغير المنطقي لدرجاتهم من قبل المدارس الثانوية خاصة الأهلية منها، يتساوى في ذلك الطالب المجد والمهمل، ومعدل الطالب مهما ارتفع لا يعكس بأي مستوى مقبول حقيقة تحصيله العلمي، فمعظم الطلاب يحققون نتائج متدنية جدا في اختبار القياس، رغم أنه مجرد اختبار يقيس قدرتهم على التعلم لا أكثر، ولا يقيس حجم تحصيلهم العلمي، وفي آخر اختبار قياس أجري قبل نحو شهرين بلغ متوسط درجة الطلاب 65 في المائة فقط، وهو أقل بكثير من متوسط معدلاتهم في الثانوية، ما يعكس حقيقة تحصيلهم العلمي المتردي جدا. والسؤال هنا: هل يمكن أن يترتب على إلغاء مركزية اختبار الثانوية العامة أي تأثير إيجابي يغير من هذا الواقع المزري لتعليمنا؟ والجواب بكل تأكيد هو نعم، بشرط أن تحسن الجامعات التعامل مع الوضع الجديد، وتسخره لصالح تحسين تعليمنا العام والجامعي، من خلال قيامها بمسؤولياتها التعليمية والتربوية بكفاءة وإخلاص.
فبإلغاء مركزية الاختبارات في العام المقبل ستجد الجامعات أنها أمام ارتفاع هائل في عدد الطلاب والطالبات الحاصلين على معدلات عالية جدا في شهادة الثانوية العامة، سيستحيل معه أن يكون معدل الطالب أو الطالبة في الثانوية العامة معيارا أساساً في القبول كما هو الحال بالنسبة إلى معظم التخصصات الجامعية حاليا، وسيكون موقف الجامعات محرجا وهي ترفض طلاباً بمعدلات مرتفعة جداً دون مبرر، ومن يتم قبولهم وفق معدل الثانوية العامة لن يكونوا بالضرورة أفضل المتقدمين, لذا فإن الجامعات بحاجة إلى مراجعة شروط ومعايير القبول التي ستطبق العام المقبل، ومن أكبر التعديلات المطلوبة بإلحاح أن يكون هناك اختبار تحصيل علمي لجميع التخصصات دون استثناء، وأن يكون له، إلى جانب اختبار القياس، الوزن الأكبر في معايير القبول لجميع الطلبة والطالبات، وعلى الجامعات أن تقوم فورا بإعلان هذه الشروط حتى يتدارك الطلاب أنفسهم من الآن ويعرفوا المطلوب منهم لتحسين فرص قبولهم، بحيث لا تفاجئهم الجامعات العام المقبل بشروط قبول جديدة على حين غرة وهم غير مستعدين لها. وعلى وزارة التعليم العالي القيام فورا بحملة واسعة لتوعية الطلاب وأولياء أمورهم بالتغيرات المتوقعة في سياسات القبول في الجامعات التي ستترتب على إلغاء مركزية اختبار الثانوية العامة العام المقبل، حتى لا يوجه اللوم للجامعات بسبب فشل طلاب معدلاتهم عالية في الحصول على قبول بسبب إعدادهم غير المتوافق مع متطلبات القبول الجديدة.
بالنسبة إلى أولياء أمور الطلاب والطالبات فعليهم إدراك التحول الجذري في أسلوب الإعداد المناسب لأبنائهم للحصول على قبول في الجامعة في المجالات التي يرغبون فيها، فالاستراتيجية السابقة المتمثلة في الحرص فقط على حصول الابن أو البنت على معدل عال في شهادة الثانوية العامة لن يكون مجديا، وعلى ولي أمر الطالب أو الطالبة أن يهتم من الآن بتضخيم حجم التحصيل العلمي لأبنائه لا تضخيم درجاتهم، فمعظم الطلاب ستكون درجاتهم العام المقبل متضخمة، والفيصل في القبول الجامعي سيكون أداء الطالب أو الطالبة في مختلف الاختبارات الجامعية التي ستضطر الجامعات إلى وضعها لتتمكن من فرز الغث من السمين من خريجي وخريجات الثانوية العامة. وعلى كل ولي أمر أن يبحث، من الآن، عن المدرسة التي يعتقد أنها متميزة تحصيليا لا متميزة بتضخيم الدرجات، وعلى المدارس الأهلية، بشكل خاص، سرعة استيعاب التحول الذي سيطرأ على اهتمامات أمور طلابهم وطالباتهم، فيبتعدون عن التضخيم الزائف لأداء طلابهم وطالباتهم ويتنافسون بدلا عن ذلك في مستوى تحصيلهم العلمي لكي يحتفظ التعليم العام الأهلي بجاذبية.
إن إلغاء مركزية الاختبارات الثانوية حتى وإن أدى في المدى القصير إلى اعتقاد بعض الطلاب أنهم ليسوا في حاجة إلى بذل جهد مضاعف في السنة الثالثة ثانوي لضمان ارتفاع معدلاتهم، إلا أن فشل تضخم درجاتهم في ضمان حصولهم على قبول في التخصصات المتميزة في الجامعات سيكون درسا للآخرين مستقبلا يضطرهم إلى الاهتمام بتحصيلهم العلمي ليتمكنوا من تحقيق أداء متميز في اختبارات القبول في الجامعات. لذا من المتوقع أن يسهم إلغاء مركزية الاختبارات الثانوية في كبح تدهور التعليم في بلادنا من خلال إيجاد واقع يحتم الاهتمام بحقيقة التحصيل العلمي، وقوة هذا التأثير سيعتمد على مدى تصرف الجامعات بمسؤولية من خلال وضع معايير قبول دقيقة صارمة أساسها التحصيل العلمي للمتقدم، لا معايير مرنة تتيح لمسؤوليها خدمة فلان ورد جميل آخر، وتُضيع بالتالي على بلادنا آخر فرصة أمامنا لانتشال نظامنا التعليمي، الذي وضع جامعاتنا، رغم كل ما ينفق عليها، في ذيل قائمة جامعات العالم بما في ذلك جامعات أشد بلدان العالم تخلفا وفقرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي