العولمة والتعليم الجامعي .. علاقة وفاق لا تضاد
السماح للاعبين الأجانب بالاحتراف في الدوري السعودي ساعد على تطوير مستوى الدوري السعودي لكرة القدم كما ساعد على رفع كفاءة اللاعبين السعوديين. فليس كل المهاجمين المحترفين يشاركون بالفاعلية نفسها. فلرب مهاجم يغني بنشاطه وحيويته واستغلاله أنصاف الفرص ما لا يتأتى لثلاثة مهاجمين. فلم يمنع وجود مهاجمين محترفين سعوديين السماح للأندية بالاستعانة بمهاجمين غير سعوديين لزيادة الإثارة والإبداع في الدوري السعودي. لعل الكل يقر بهذه الحقائق لكونها حقائق ملموسة ومرئية لا يتطلب الحكم عليها الكثير من الجهد.
لو أخذنا هذا المبدأ وبدأنا تطبيقه على التعليم نجد أن مستوى التعليم العالي لدينا يتطلب مشاركة اللاعب أو عفوا الدكتور الأجنبي لتطوير مستوى التعليم العالي. فمستوى التعليم لدينا لم يكن منافسا بسبب عدم الاستفادة القصوى من الأساتذة غير السعوديين. فالنظرة للأستاذ غير السعودي ليس على أساس إبداعاته في المجالات العلمية، أو لكونه علم في مجال تخصصه، بل كبديل مؤقت وغير مكلف لحين إحلاله بأستاذ سعودي. لذا نجد عددا محدودا من أعضاء هيئة التدريس غير السعوديين روادا في مجالاتهم العلمية.
لقد كانت جامعاتنا في الترتيب الذي لم يسر صديقا، لكن بدلا من التعامل مع موقع جامعاتنا بنظرة واقعية تم تغليب النظرة الحماسية المغلفة بالعاطفة غير المنضبطة. فبدأنا الحديث عن دور اليهود وغيرهم بالتلاعب في عدم حصول جامعتنا على المستوى المطلوب وإلا نحن في المراتب الأولى والمتقدمة. كما أن البعض ألقى باللائمة على أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) في تهميش دور المجتمعات المسلمة في المشاركة في بناء الحياة المدنية الحديثة.
لعل نقد البيئة التعليمية المعاشة لدينا في المملكة حدث بعد التقرير السلبي لموقع جامعاتنا السعودية بين الجامعات العالمية. لا أريد أن أخوض في التقرير ومدى مصداقيته لكن ما علينا التركيز عليه كيفية الاستفادة منه في تطوير البيئة التعليمية خصوصا التعليم الجامعي. مجلس الشورى قد يكون أشبع الحديث عن هذا الموضوع، لكن الذي لم يتم التطرق إليه أهمية دعم تشجيع الجامعات المرموقة المتميزة في مجالاتها لفتح فروع لها في بلادنا. فالاستفادة من عصر العولمة يحفزنا لدعم الانفتاح لتبني تعاون حقيقي مع جامعات عريقة. فالجامعات العريقة في أمريكا وبريطانيا وكندا وغيرها يجب أن تعطى مساحة واسعة من التعاون لتبني مناهجها العلمية.
فالتوازن بين إرسال الطلبة للدراسة في الخارج وبين دعوة الجامعات العريقة للتدريس في بلادنا يجب أن يتم التخطيط له بشكل شمولي. فنحن بحاجة إلى الاستفادة من الجامعات الرائدة في مجالاتها لكونها بديلا، خصوصا لمن لا يستطيع السفر للدراسة في الخارج. كما أن التبادل الثقافي مع الآخر مهم جدا أن يكون من جهتين وليس من طرف واحد.
لا شك أن هناك تعاونا مع بعض الجامعات لكن مستوى التعاون يتطلب دعما أكبر. فمثلا جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية أحسنت صنعا ببناء جسور تواصل حضارية وعلمية مع جامعات عريقة في مجالاتها. فمثلا هناك تعاون بين جامعة الملك سعود بن عبد العزيز التابعة للشؤون الصحية في الحرس الوطني مع جامعة سيدني وجامعة ليفربول لكن مستوى التعاون يجب أن يمتد بشكل أكبر خصوصا من قبل الجامعات السعودية الناشئة. كما أن جامعة الفيصل الأهلية لديها خططها للتعاون مع جامعات مماثلة. فالتعاون مع الجامعات العريقة العالمية يساعد على تطوير مستوى التعليم والمناهج بدلا من البداية من الصفر، وذلك بتأسيس كلية أو جامعة ثم تبدأ مرحلة اختيار المعيدين مرورا بتطوير المناهج ثم الابتعاث ثم تشكيل كادر تدريس ثم بعد سنوات طويلة ندرك أن مخرجاتنا التعليمية لا تصل إلى مستوى الطموحات.
وبما أن بلادنا تمر بطفرة علمية وميزانية تعليمية مميزة فلماذا لا نستثمرها في خلق تعاون أكبر مع جامعات عريقة للتدريس في المملكة بدلا من الاكتفاء بإرسال الطلبة للدراسة في الخارج. فلا شك أن التعاون مع جامعات رائدة في مجالاتها سواء للتدريس أو البحث العلمي سيخدم شريحة أكبر من المستفيدين. كما أن هذا التعاون يمكن شريحة مميزة في مجالاتها لكن ظروفهم الاجتماعية لم تساعدهم للدارسة في الخارج.
كما أن التعاون مع جامعات فريدة في مجالاتها يؤدي إلى هجرة معاكسة للطلبة من أجل الدراسة، إضافة إلى ذلك أنه من الممكن بدلا من سفر الشباب السعودي للدراسة في بعض الجامعات العربية يمكن أن يحدث العكس ويكون السفر إلى المملكة من أجل الدراسة خصوصا إذا كان مستوى الجامعات أو البرامج متميزا في مجالاتها. فالهدف كما قلت ليس أن يكون لدينا كادر من أعضاء هيئة التدريس سعودي، بل أن تكون مخرجات التعليم ومستوى التعليم والبحث العلمي ترتقى لتصل إلى مصاف الجامعات العريقة. فنتمنى أن يحدث تمازج بين جامعتنا المحلية وجامعات عالمية لخلق بيئة تعليمية متنوعة ومتكاملة.