المعلومات الوطنية والسكانية والعقارية.. وما بعد الحراج إلا البيع
سوق المعلومات السكانية والعقارية لدينا أصبح مثل الحراج وكل جهة تطرح معلوماتها ثم تخفض من أرقامها بأمل البيع وما بعد الحراج إلا البيع. وزارة الاقتصاد والتخطيط تضع معلوماتها وتوقعاتها للطلب على الإسكان والعقار وخاصة الوحدات السكنية حاليا ومستقبليا وبعزل عن الجهات الأخرى. ثم تأتي وزارة الشؤون البلدية والقروية وأماناتها ومركز المشاريع في منطقة الرياض والهيئات الأخرى في المملكة لتضع أرقاما مخالفة لها. حتى إحصاءات شركات الكهرباء والمياه والهاتف التي تضع العدادات للكهرباء والمياه التي قد تكون أكثر دقة في معرفة عدد الوحدات السكنية الحالية والمستقبلية يبدو أنه أغراها الدخول في الحراج. وآخر الحراج في عملية التعداد العام للسكان ومراقبيها الذين لم يكونوا أكفاء لجمع المعلومات. والتي مرت وكأنها عملية روتينية بحتة وتهاون في مدى أهمية الإحصاءات (تعداد السكان) وتوحيدها أو وجود قاعدة معلومات دقيقة عن السكان كأساس لأي عمليه تخطيطية وعماد الاقتصاد وأهم الثروات الوطنية التي تساعد على إثراء البحث العلمي.
وإذا كنا نؤمن بأن المدن الاقتصادية الجديدة والمدن الصناعية والتقنية التي انتشرت في معظم مناطق المملكة ستجتذب فرص عمل بالملايين للسكان ليهجروا المدن والقرى الكبرى ويتوجهوا لتلك المدن الاقتصادية فإن ذلك حتما سيؤثر سلبا في تعدادنا الحالي والمستقبلي لسكان المدن والقرى الحالية. وبذلك فإن جميع الأرقام والتوقعات السابقة التي نتداولها حاليا عن حاجة الإسكان والعقار للسنوات المقبلة أصبحت غير صحيحة ولا يمكن أن نبني عليها أية توقعات. ويجب علينا أن نعيد حساباتنا وجميع المعلومات والتوقعات التي بنيناها عليها.
والإحصاءات والمعلومات ليست مقصورة على تعداد السكان فقط وإنما تشمل معظم المعلومات الشخصية عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأفراد والمؤسسات. وهي من أهم الثروات الوطنية التي تساعد على إثراء البحث العلمي التي من دونها لا يمكن الاعتماد على صحة أي ما ينشر عن النمو السكاني أو الاقتصادي ولا يمكن رسم سياسات مستقبلية واضحة. ومن دونها لا يمكن لأي كان أن يصرح بأي توقعات سكانية أو اقتصادية سليمة. حيث إن هذه التوقعات قد لا تكون مبنية على معلومات صحيحة أو لم تستخرج بأساليب وطرق الإحصاء العلمية الدقيقة. وإن أي خطأ ولو كان صغيراً يلغي صلاحية هذه التوقعات.
نحن في حاجة إلى حملة وطنية لتوعية المواطنين والمسؤولون عن أهمية المعلومات لمستقبلهم ومستقبل أبنائهم. وإلى ندوات يدعى لها المسؤولين والخبراء والمواطنون في مختلف أنحاء المملكة لطرح المشاكل والعقبات الاجتماعية والتقليدية التي يسببها عدم إعطاء المعلومة الصحية وكيفية التغلب عليها. وطرح الحملات والندوات العامة لتوعية المجتمع بضرورة التعاون مع موظفي الإحصاءات أو جامعي المعلومات، وذلك بهدف الحصول على قاعدة معلومات دقيقة ووافية لنتغلب على بعض الممارسات الخاطئة للعملية الإحصائية التي تؤثر في جدواها للتخطيط المستقبلي سواء في دقتها أو طريقة التعامل معها تخطيطياً. وأهم تلك الممارسات الخاطئة هي:
- أشرت في مقالات سابقة إلى أن بعض الأفراد ليس لديهم الوعي اللازم للتعاون في إنجاح هذه الحملات بإعطاء المعلومات الدقيقة المطلوبة وبكل صراحة. حيث تقوم بعض القبائل أو العائلات بالنزوح من المدن إلى قراهم التي ينتمون إليها في وقت التعداد فقط مع أنه سبق عدهم في المدينة، وبذلك يتم تعدادهم مرتين مما يضاعف عدد السكان في الإحصاء العام.
- تردد المواطن في إعطاء المعلومة بسبب ما يراه أحياناً من انتهاك للخصوصية وسرية المعلومات الخاصة به من قبل بعض المسؤولين وما يقومون به من إفشاء بعض أسرار المواطنين وعائلاتهم أو الشركات ومن دون مبالاة. حيث أصبح الدخول إلى مصادر المعلومات مستهان من قبل بعض المسؤولين الذين لا يبالون بذلك لعدم وجود عقوبة رادعة. وإن كانت الدولة تمنع وتحافظ على سريتها.
- استهانة معظم الباحثين لعلم الاستبيانات وأصبح أي شخص يضع أو يكتب بنفسه الاستبيان فيقوم بوضع أسئلة وتوزيعها على الجمهور من دون تطبيق أهم مبادئ البحث العلمي لطريقة وضع وتصميم الأسئلة وأسلوب الطرح وأسلوب الإجابة التي يريدها لتتجانس مع طريقة البحث. بينما هناك علم كبير في علم الإحصاء والاجتماع لطريقة تصميم الأسئلة والأوزان لكل سؤال. حتى أسلوب وبيانات الردود بصح أم خطاء أو وضع أرقام من 1 إلى 5 أو 10 لا توضع بسهولة بل لا بد أن يكون لها أساس علمي لطريقة إدخال المعلومة في النموذج الحاسوبي.
- حيث إن التوقعات السكانية عادة تبنى على أساس معدلات النمو الطبيعي للسكان (الفرق بين الولادة الوفيات) ومعدلات الهجرة والجذب إلى المدن. وبذلك فإن أي تغير اجتماعي في مستوى الإنجاب أو لجوء الجيل الجديد إلى تحديد النسل نوعاً ما أو تأثير الظروف الاقتصادية على تأخير سن الزواج قد يؤثر في معدل الولادة، أو تميز مجتمعنا بكثرة الحوادث المرورية المميتة يلغي صحة التوقعات المستقبلية للسكان. فالتوقعات السكانية تتأثر كثيراً بتغير القرارات الاقتصادية أو الاجتماعية. فعندما تقرر الدولة تشجيع الصناعة (والمدن الاقتصادية) في مناطق معينة خارج المدن الرئيسية وإعطاء مغريات مجزية لإيجاد فرص عمل فإن ذلك يسبب هجرة من المدن الرئيسية وبذلك تختل جميع التوقعات السكانية الحالية.
- عدم توظيف المخططين الأكفاء للاستفادة من هذه الأرقام وتوظيفها في الاتجاه السليم. بعكس ما هو متبع الآن من توظيف كوادر غير مؤهلة تخطيطياً لأعمال أصلها تخطيطي. حيث إن المخطط هو الذي يستطيع الربط بين المعلومات الإحصائية ومدى تأثرها بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ومدى تأثيرها في المجتمع وتقبلها له. فالتخطيط يعتمد أصلا على دراسة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمدينة والدولة ككل وكيفية تسيير الأمور والاستفادة من الأوضاع الحالية وتسخيرها للنمو بالمستوى الحضاري للإنسان وللحصول على مجتمع متحضر ومدن مثالية.
- فقدان عملية توحيد ونمذجة المعلومات والحكومة الإلكترونية لتشمل جميع القطاعات العامة والخاصة وربط البلديات والوزارات بسجلات الأراضي وكتابة العدل وأن تربط كذلك وبتحكم مع المكاتب العقارية. وذلك لتسجيل صفقات بيع العقارات ومقارنتها بمعدلات ومنحنيات النمو العمراني بحيث يتكون لدينا قاعدة معلومات قوية يمكن من خلالها رسم السياسات المستقبلية للنهضة العمرانية ومعرفة إمكانيات النمو المستقبلي بدلا من الوقوع تحت رحمة الإشاعات، وأن يتم ربطها مباشرة مع مراكز الأبحاث الوطنية مثل مدينة الملك عبد العزيز والجامعات ومراكز البحث العلمي وإمكانية استثمارها ببيعها على الشركات الكبرى في القطاع الخاص.
- حماية المعلومات وأن يكون الدخول إلى المعلومة وفق مستويات من السرية وبطاقة مشفرة لكل مسؤول وبحيث نعرف من دخل إلى المعلومة ونعاقب من يسيء استعمالها. وأن يتم تفعيل البطاقات الحالية الممغنطة لكل مواطن ليمكن بها التعامل بصورة تقنية وحضرية لجمع واستعراض المعلومات.
فمتى ننتقل من سوق حراج المعلومات ويصبح لدينا تنسيق وتوحيد بين الجهات المعلوماتية وهل سننجح بدون مشروع حماية المعلومات الشخصية وإخضاع جميع الاستبيانات لعلم البحث والإحصاء وتبنيها كأساس للتخطيط المستقبلي للوطن وأبناؤه؟