إنتاج المملكة من النفط .. رؤية مستقبلية
يرجح البعض أن كلمة ديك تشيني التي ألقاها في معهد لندن للبترول في عام 1999م عندما كان رئيسا لشركة هاليبرتون، والتي تحدث فيها عن نظرته المستقبلية لصناعة النفط حول العالم ومن أهمها عدم تحقيق اكتشافات ذات أهمية تذكر في الدول التي استقلت من الاتحاد السوفياتي سابقا أو الصين كما كان متوقعا، والتوصيات التي قدمها كرئيس للجنة السياسات العامة للطاقة للإدارة الأمريكية (*) وأجيزت من قبل الرئيس بوش، يشكلان الخطوط العريضة لإعادة الدور التاريخي لشركات النفط العالمية IOC عندما كانت تستخرج، تنتج، وتدير بشكل مباشر نحو 80 في المائة من مخزون العالم من النفط في بداية الستينيات الميلادية قبل أن تتحول إلى شركات وطنية NOC بنهاية السبعينيات الميلادية (1979م)، إلى أن وصلت النسبة في الوقت الحالي إلى نحو 16 في المائة تقريبا للإدارة بشكل مباشر.
تقليص دور شركات النفط العالمية بعد أن كانت العنصر الأساسي والوحيد في الصناعة النفطية تقريبا أدى بالعديد من الشركات إلى الانهيار، والبعض الآخر فضل الاندماج مع شركات أخرى في محاولة لتحقيق أرباح وتقليل الخسائر.
وشهدت نهاية التسعينيات الميلادية اندماج العديد من شركات النفط الكبرى حول العالم، مثل "بريتيش بترويليوم" مع "أموكو" 1998م، "إكسون" مع "موبيل" 1999م، "شيفرون" مع "تكساكو" 2000م، "فيليبس" مع "كونكو" 2001م، و"رويال داتش" مع "شل" 2005م، واندماج شركات النفط العالمية بعضها مع بعض مازال مستمرا حتى الآن.
محاولة إعادة الدور التاريخي المفقود لشركات النفط العالمية IOC في إدارة أكبر نسبة مخزون نفطي حول العالم من قبل إدارة بوش / تشيني هي لأسباب تتعلق بارتفاع العائد المادي لشركات النفط الوطنية NOC، زيادة الاستهلاك خلال السنوات القليلة الماضية، النمو المتزايد والمتوقع مستقبلا على النفط والغاز اللذين يشكلان معا ما نسبة 65 في المائة تقريبا من استهلاك العالم من الطاقة في الوقت الحالي (النفط 40 في المائة والغاز 25 في المائة) وقد تصل النسبة (متوقع) مستقبلا إلى 80 في المائة تقريبا، إضافة إلى ذلك الإدارة الأمريكية ترى أن عدم تخصيص ميزانية كافية للبحث، التنقيب، الإنتاج، والتصنيع في مجال الصناعة النفطية من قبل الدول المنتجة للنفط داخل (أوبك) وخاصة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما يتناسب مع الاحتياطات النفطية لديها والتي تقدر بأكثر من 750 مليار برميل يوميا، أي ما يعادل 63 في المائة من النسبة الإجمالية للمخزون النفطي حول العالم، والذي يقدر بنحو 1.2 تريليون برميل يوميا، سبب آخر لمحاولة إعادة الدور السابق لشركات النفط العالمية.
* إحدى توصيات لجنة السياسات العامة للطاقة تشير إلى حثّ بعض دول الشرق الأوسط (4 دول) على إنتاج وتصنيع المزيد من النفط بما يتناسب والاحتياطات النفطية لديهم.
في النصف الأخير من عام 2005م قال رئيس شركة أرامكو السعودية في لقاء مع جامعة رايس / معهد جيمس بيكر للسياسات العامة في هيوستن، إن المملكة و"أرامكو" في موقع مميز لأسباب تعود للاحتياطات النفطية التي تقدر بنحو 260 مليار برميل، إلى زيادة القدرة الإنتاجية من نحو 11 (حاليا) إلى 23 مليون برميل يوميا لسد الطلب المتزايد على النفط في الولايات المتحدة عام 2025، والذي يقدر بنحو 28 مليون برميل يوميا طبقا لتوقعات EIA.
نسبة إنتاج أرامكو (من إجمالي إنتاج الأوبك) في السنوات الأخيرة حسب إحصائيات وتقديرات منظمة أوبك، تعادل نحو 33 في المائة من حصة (أوبك) في سوق النفط العالمية، ومتوسط الاستهلاك المتوقع لعام 2025م نحو 113 مليون برميل يومياً، حصة (أوبك) تعادل 54 مليون برميل يوميا، نسبة المملكة (33 في المائة) تقريبا 17.8 مليون برميل يومياً، في حالة زيادة معدلات النمو لمستويات عالية متوقع أن يصل استهلاك العالم من النفط إلى 119 مليون برميل يومياً حصة (أوبك) تعادل 58 مليون برميل يومياً نسبة المملكة (33 في المائة) تقريباً 19 مليون برميل يومياً.
بالنسبة لمعدلات النمو المتدنية تتوقع (أوبك) أن يصل الاستهلاك إلى أقل من 103 ملايين برميل يومياً، حصة (أوبك) منها تعادل 45 مليون برميل يومياً نسبة المملكة (33 في المائة) أقل من 15 مليون برميل يوميا، وهي تتطابق مع سيناريو أرامكو للإنتاج لسنة 2025م، تزامن مع ذلك (سيناريو أرامكو للإنتاج) في مناقشة عن المخزون النفطي للمملكة في نيسان (أبريل) 2004م نشرت في مطبوعة النفط والغاز بالولايات المتحدة، الدكتور سداد الحسيني نائب رئيس شركة أرامكو للاستكشاف والإنتاج قبل تقاعده في بداية آذار (مارس) 2004م، تحدث فيها عن حجم، إمكانية، سلامة، ونوعية المخزون النفطي بالمملكة، وذكر أن الوصول إلى إنتاج 15 مليون برميل يوميا حسب كمية المخزون المعلن ممكن، ولكن المحافظة على إنتاج 15 مليون برميل يوميا لعدة عقود يعتمد على توافر ووجود كمية ونوعية تضاف إلى حجم المخزون المعلن في المستقبل. ويضيف الحسيني أيضا أنه من المهم جدا أن تتم إدارة تلك الزيادة (الوصول إلى إنتاج 15 مليون برميل يوميا) من قبل "متخصصين" لكي نتفادى أي قرارات خاطئة فيما يتعلق بالمخزون وعملية الإنتاج.
إذن التحدي الحقيقي هو الوصول والمحافظة (وليس تجاوز) على معدل إنتاج 15 مليون برميل يوميا على الأقل حتى نهاية 2025م، لأسباب متعددة منها وليس للحصر: ضمان سلامة الآبار النفطية والترشيد في حجم المخزون.
على هذا الأساس أعتقد أن التقليل من إمكانات المملكة وقدراتها، سواء فيما يتعلق بحجم المخزن وكمية الإنتاج، ليست مبررا للإعلان عن حجم إنتاج يعد من قبل الكثيرين داخل أرامكو وخارجها غير منطقي ولا يمكن الوصول إليه بأي حال من الأحوال، على الأقل حسب التقنية والإمكانات المتوافرة حاليا.